بينما أخذنا نقترب من بلاد الصعيد مُصعّدين، ومخالفين في هذا إتجاه سيران
ماء النيل، وتراء لنا جمعُ أخضر اللون.. يُلوّح لنا من بعيد يستقبلنا ويرحب
بقدومنا وإيابنا... فإذ به يلتفت فأجاة إليّ ويقول: (يا بُنيّ، انظر إلى
نخيل الصعيد المُرحّب بِنا.. إنه شبيه بنساءنا) . قلت: وكيف ذاك ؟! .
قال: جاء في الأثر أن (أكرموا عمتكم النخلة؛ فإنها خلقت من الطين التي خلق منها آدم) . وكذلك يا بُنيّ فإنك تجد صفات نخيل
البلاد كصفات نساءه. فتجد النخلة في الصعيد طويلة عصيّة على طُلّابها، لا
ينال ثمرها إلا الجادّون ممن تحمّلوا مشاق التسلق إلى أعاليها لجني شهدها.
نحيفة سمراء حنطية .. كلون ثرى الصعيد.. ليست بها تخمة نساء المُدن.
تنضج باكراً ولا تبخل بثمرها... حتى إنك تجد عراجين بعضها متدلياً على وجه الأرض.. بكل سخاء وكرم لا يُعهد عند غيره من نخيل البلاد.
تنثني مسرعةً خجلةً متشحة بجريدها مختبئة متلوّذة به .. إن مرّت من أمامها
الرياح العاصفة، وإن مرّت نسمات رقيقة تجدها متبسمّة على استحياء ..
كمثيلاتها من النساء.
ترى سعفها وجريدها ملتفّون في خجل مطأطئين
رؤوسهم، بينما غيرهن من النخيل تجدهنّ ناظرات بوجوههنّ سافرات إلى جو
السماء بلا استحياء !.
أحمد فرغل الدعباسي البكري