(( بين الفتنة الكبرى .. والربيع العربي ))
بقلم | أحمد فرغل الدعباسي البكري
بتاريخ 17 نوفمبر 2012 م
يدور الزمان كعادته , وتتكرر أحداثه كما عهدناها , نهوض فصعود فثبوت
فاضطراب فسقوط , وتعاد الحكاية وتتكرر , كل عام أو ربما كل بضعة أعوام
وربما كل قرن أو قرون , تلك سنة الله في خلقه (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ
اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) فاطر :
43 .
وان الله وعد الصالحين من أمة الإسلام بالنصر والتمكين
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) الأنبياء : 103 , وكذلك وعدهم بميراث
الأرض (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) الأعراف : 128 , دائما وإلي يوم الدين وإن
طال زمان المحن , وكلما طالت أوقات المحن كبر وعظم أجر رب العالمين , من
نصر وتمكين لمن عاش , وجنة وحور عين لمن مات , وما من شهيد يموت (وَلَا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) آل عمران : 169 , وعندما يلقون
ربهم في جنة الخلد سيقولون (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا
وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ
نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) الزمر : 74 .
لا يخلق الله
شيئا عبثا (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
لَاعِبِينَ ) الأنبياء : 16 , والمحن خلقها الله ليميز بها بين الصادق
والكاذب من عباده ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا
أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) آل عمران :
179 , وإن المحن والفتن كثيرة ومتعددة أشكالها , منها فتنة في النفس
والأهل والولد والمال والجار , ومنها فتن تموج كموج البحر , وكانت إحدى
الفتن المائجة كموج البحر فتنة مقتل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ,
فلقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه , أنه
قال :
كنا عند عمر . فقال : أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الفتنة كما قال ؟ قال فقلت : أنا . قال : إنك لجريء . وكيف قال ؟
قال قلت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فتنة الرجل في أهله
وماله ونفسه وولده وجاره ، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر " . فقال عمر : ليس هذا أريد . إنما أريد التي تموج كموج
البحر . قال فقلت : ما لك ولها ؟ يا أمير المؤمنين ! إن بينك وبينها بابا
مغلقا . قال : أفيكسر الباب أم يفتح ؟ قال قلت : لا . بل يكسر . قال : ذلك
أحرى أن لا يغلق أبدا . قال فقلنا لحذيفة : هل كان عمر يعلم من الباب ؟ قال
: نعم . كما يعلم أن دون غد الليلة . إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط . قال
فهبنا أن نسأل حذيفة : من الباب ؟ فقلنا لمسروق : سله . فسأله . فقال :
عمر .
وإن من الفتن فتنة خاصة تخص الفرد المسلم ولا تتعداه وأهل
بيته , وفتن عامة تعم أحد بلاد المسلمين أو سائر بلادهم , وقد أنبأنا نبينا
صلى الله عليه وسلم عن بعض هذه الفتن , وسماها لنا بأسمائها وأخبرنا عن
بعض صفاتها , ومنها ما أورده الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح , من حديث عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال :
كنا عند رسولِ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ قعودًا فذكر الفتنَ فأكثر ذكرَها حتى ذكر فتنةَ
الأحلاسِ فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ وما فتنةُ الأحلاسِ ؟ قال : هي فتنةُ
هرَبٍ وحرْبٍ ثم فتنةُ السَّرَّاءِ دخَلُها أو دخَنُها مِنْ تحت قدمَي
رجلٍ مِنْ أهلِ بيتي يزعمُ أنه مِنِّي وليس مِنِّي إنما وليِّيَ
المُتَّقُونَ ثم يصطلحُ الناسُ على رجلٍ كورِكٍ على ضِلَعٍ ثم فتنةُ
الدُّهَيماءِ لا تدَعُ أحدًا مِنْ هذه الأمةِ إلا لطَمتْه لطمةً فإذا قيل
انقطعتْ تمادتْ يُصبِحُ الرجلُ فيها مؤمنًا ويُمسى كافرًا حتى يصيرَ الناسُ
إلى فُسطاطَينِ فُسطاطُ إيمانٍ لا نفاقَ فيه وفُسطاطُ نفاقٍ لا إيمانَ فيه
إذا كان ذاكم فانتظِروا الدجَّالَ مِنَ اليومِ أو غدٍ .
وإن ما هو
كائن هذه الأيام , وما اشتهر بين الناس باسم " الربيع العربي " وما حدث فيه
من سقوط أنظمة وعروش , وهرب وسجن وقتل قادة ورؤساء , وتنصيب آخرين , ونتج
عنه مئات الآلف من القتلى – وجلهم مسلمون قتلوا بأيدي مسلمين – وأضعافهم من
الجرحى والثكلى والأيتام , وأضعاف أضعافهم من البيوت الخاوية على عروشها ,
ومعايش الناس المتعطلة , ولا تسل عن دور العبادة والمدارس والجامعات التي
لا يدخلها المسلمون إلا وهم خائفون ! ... كل هذا انما هو فتنة ! .
في البداية – حتى نكون منصفين – نسأل , متى بدأت ثورات الربيع العربي ,
وكيف امتدت , ومن هم الثوار , ومن هم حكامهم الذين ثار عليهم شعوبهم ؟ .
- البداية : انتحار الشاب التونسي البوعزيزي , وهو ما أدى لتبرم كثير من
أبناء الشعب التونسي ومن كافة أطيافه , وانتحار – ولنركز على كلمة انتحار –
البوعزيزي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير , ونحن لن نخطئ حين
نشبّه هذه الأنظمة الفاسدة بالبعير , فكم كانت أنظمة مجحفة ظالمة , معطلة
لشرع الله في بلادها . ولكن جزاء المنتحر النار , كما روى البخاري بسند
صحيح , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه , أن رسول الله قال :
من تردّى
من جبلٍ فقتل نفسَه ، فهو في نارِ جهنمَ يتردّى فيه خالدًا مخلدًا فيها
أبدًا ، ومن تحسى سمًا فقتل نفسَه ، فسمُّه في يدِه يتحساه في نارِ جهنمَ
خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، ومن قتل نفسَه بحديدةٍ ، فحديدتُه في يدِه يجأُ
بها في بطنِه في نارِ جهنمَ خالدًا مخلدًا فيها أبدًا .
فأمر كانت
شرارته انتحار وهو كفر صريح , ترى ماذا ستكون نهايته ؟ , دعونا لا نتعجل
ونتسرع بالحكم .. ولنكمل الإجابة عن باقي الأسئلة .
- من هم الثوار :
هم جماعات متنوعة من شتى فئات وجموع الشعوب العربية الإسلامية , تجمع
المسلمين وأيضا النصارى , وذوي التوجهات الإسلامية بمختلف أطيافها , وذوي
التوجهات اللااسلامية بمختلف تشعيباتها , من ليبراليين وإخوان مسلمين
وشيوعيين وسلفيين وعلمانيين وإشتراكيين ونصارى وأقباط وأعلام وقمم , وعوام
من الناس من مختلف المشارب والتوجهات الفكرية والثقافية.
ولكنّ الشباب
هم من بدئوا الثورة , وأكثرهم من الشباب الليبراليين , على الأقل وقت
انطلاق هذه الثورات , فلقد انضم لها تباعا كثير من فئات المجتمع , كانت
كثير – وإن لم يكن الأكثر – من الفتيات المشاركات في هذه الثورات غير
محجبات وسافرات ومتبرجات , بل الأدهى مختلطات بالشباب في المسيرات , بل
الداهية الأعظم أنهن كنّ ينمن في خيام مشتركة مع الشباب ؟؟ فترى هل هذه
الثانية من الإسلام في شيء ؟ ضفها إلى الانتحار .. وتعال معي للثالثة ..
وكما يقال بالعامية ( التالتة تابتة ) .
- من هم الحكام : زين
العابدين , وحسني مبارك , ومعمر القذافي , و عبد الله صالح , وبشار الأسد ,
كلهم حكام مسلمون الديانة , وإن كانت أسمائهم مخالفة لشخوصهم ... فصدق
شاعر الأندلس أبو البقاء الرندي حين وصف بلاده التي كانت شبيهة ببلادنا في
هذا الزمان , فقال :
ومما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهرّ يحكي انتفاخا صولة الأسد
فالذي يسمى بزين العابدين من رؤسائنا إنما هو في الأصل شينهم , ومباركهم
ما كان مبارك أبدا , ومعمرهم مدمرهم , وصالحهم طالحهم , وأسدهم نعجتهم
وأضلهم سبيلا ... ولكن هل يجوز الخروج على الحاكم المسلم العاصي أو الفاسق ؟
قال بعض العلماء بالجواز والبعض بخلافه , قال البعض لا يجوز إلا
بشروط منها منع المسلمين من الصلاة في المساجد , وقال بعضهم يجوز بكل حرية ,
بل قال أحد العلماء أخرجوا عليهم وألقوا المسؤولية علي أنا , فإن سألكم
ربكم – يوم القيامة - من أفتى لكم وجوّز لكم هذا فقولوا أنه أنا ! . دعونا
من هذه الإشكالية الفقهية , ولننظر للأمر بمنظور أخر .. منظور المصالح
والمفاسد , ترى أيجوز قتل مئات الآلاف من المسلمين في مقابل تنحية حاكم عن
كرسيه ؟ أيجوز قتل إخواننا المسلمين بل وتتبعهم وتعقبهم حال الهزيمة
لإبادتهم وبأيدي مسلمة , أيجوز الاستعانة بالنصارى رجالا ومالا وأسلحة لضرب
المسلمين وإن كانوا حكاما فجارا ؟؟ أيجوز جلب جيوش النصارى – عدو الإسلام –
لعقر ديار الإسلام لقتل بعض إخواننا البغاة ؟؟ وان كان النيتو لم يفرق في
ليبيا بين المسلمين , فكلهم عنده مسلمون , وما أكثر الهجمات التي نتج عنها
خسائر بشرية في صفوف الثوار والمدنيين ووصفت بأنها ( قصف عن طريق الخطأ !! )
... للإجابة نعود كثيرا أو قليلا لأزمنة الفتن التي مضت , وزمن الفتنة
الكبرى تحديدا بعيد مقتل الفاروق عمر بن الخطاب .
قتل الفاروق وكسر
الباب , كما قال من لا ينطق عن الهوى , وكما أخبرنا حذيفة بن اليمان الذي
روى , وكما حدثنا شيوخنا عليهم من الله الرحمة والغفران , فتولى الحيي
عثمان بن عفان رضي الله عنه , فكان من أمره ما كان , فقتل وهو يقرأ القرآن ,
فأختلف في أمره فريقان مجتهدان وصفهما رسول الله بالفرقتين العظيمتين ,
فقد روي البخاري بسند صحيح , عن أبي بكرة نفيع بن الحارث عن رسول الله أنه
قال : ( إنَّ ابنِي هذا سيدٌ ، ولعَلَ اللهَ أنْ يُصْلِحَ بهِ بينَ
فِئَتَينِ عَظِيمَتَينِ من المسلمينَ ) وكان هذا الابن هو الخليفة الراشد
الخامس أبي محمد الإمام الحسن السبط رضي الله عنه , قال الفريق الأول فريق
الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه يجب قتل كل قتلة عثمان بن
عفان رضي الله عنه , في الوقت والحال , وقبل الإقرار بالبيعة لأمير
المؤمنين الإمام علي رضي الله عنه , وكان قول الفريق الآخر – ذو الاجتهاد
السليم – بأنهم إن قاتلوا قتلة عثمان فسينهض لكل رجل من هؤلاء القتلة
قبيلته لتحميه وتنصره , وسيترتب على هذا الأمر مفسدة أعظم , وسفك دماء لا
حصر لها , وقد تنقلب الأمور وتكون النتيجة كارثية على دولة الإسلام برمتها ,
فقتلة عثمان كانوا كثر ومن قبائل شتى , فكان الأولى الإنتظار ريثما تستتب
الأمور .
وهذا ما حدث زماننا , من أجل خلع حاكم عن حكمه , سالت
أودية وأنهار من دماء المسلمين , وأنفقت بل أهدرت تلال وجبال من أموال
المسلمين , وضعفت شوكة المسلمين أكثر من ضعفها الأول , بذريعة – أو باجتهاد
خاطئ – الخروج على الحاكم الظالم , وان كنا لا نرى أكثر الثوار –
المختلطون بالنساء – يلقون بالا على فتاوى أهل العلم بجواز الخروج من عدمه ,
فهم لا يفعلون ما هو أهم من عفاف واحتشام , ولو فعلوا مثل ما فعل الإمام
علي , بأن صبروا لكان لهم أجر عظيم , وفرج قريب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ ) آل عمران : 200 , ولكن قضاء الله كان قد نفذ .
ترى
ما هي مطالب هؤلاء الثوار؟ , تلخصت مطالبهم في ثلاث كلمات وهي التي تنادى
بها أهل مصر ( عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية ) وهذه الثلاث لا خلاف على
براءتها من السوء .. ولكن أين شرع الله ؟ وأين إعادة خلافته ؟ أين طلب
الجهاد ؟ أين فلسطين والقدس ؟ أين وأين وأين وأين ؟؟؟؟
إن كانت لهذه
الأمور أولوية في عقول هؤلاء الثوار , لجعلوها عناوين لثورتهم وأعلامهم
وراياتهم , ولما رفرفت أعلام النيتو التي لا تخلو من الصلبان في بن غازي ! ,
وإن كانت أعلام النيتو ما تزال تحلق في سماء أفغانستان والعراق وهي من
ديار الإسلام المحتلة .. فعجبا لهذه الأمة !! .
قد نرى بعض الرايات
السوداء الخفاقة ذات السطور الرائعة التي تقول ( لا إله إلا الله ... محمد
رسول الله ) , ما أروعها من راية , وما أروع أن كانت يد من تحملها يد صادقة
, يد قامت ونهضت وثارت من أجل :
تحكيم شرع الله بدلا من تحكيم القوانين الوضعية
المطالبة بإحياء فريضة الجهاد التي لا عز للمسلمين بدونها
المطالبة وحث المسلمين على إحياء الخلافة الإسلامية المسلوبة
المطالبة بمنع الفساد والإفساد في البلاد على دنيا ودين العباد
المطالبة بتحريم قبل تجريم بيع الخمور , وتجريم الدعارة المقننة التي نراها على شاشات التليفزيونات والسينما .
المطالبة بكل ما هو مشروع مثل ( عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية ) .
أما ما كان .. فهي ثورة جوع واستعباد , الشعب استعبده الحاكم , فأراد
الخروج إلي المطلق واللامحدود بدون التقيد بشروط وآداب الإسلام , حتى وجدنا
من بين الثوار من ينادي بالحريات على شاكلة حريات الغرب وعلى رأسها الحرية
الجنسية , ثم حرية الاعتقاد بمفهوم الغرب لا الإسلام .
ثورة جوع , كل
فئة من الشعوب تطالب بتحسين مستوى دخلهم وهذا حقهم , والمطالبة بالقصاص ممن
سرق أقواتهم , وهذا حقهم , ولكن هناك أولويات - قد ذكرنا بعضها - كان يجب
تقديمها على هذه الأمور – رغم أهميتها – فشؤون أمة الإسلام العامة أهم من
شؤون الفرد الخاصة .
أخيرا .. وحتى لا نطيل أكثر .. فإن لله سنن في
خلقه لا تتبدل , وإن الله هو الذي يشاء ويقدر , وهو قد قدر كل ما جرى وكان ,
فله الحمد دائما وأبدا ,,, ألا إن الإسلام له رجاله , والخلافة التي يحلم
كثير منّا بها , لا تأتي على يد قوم قدوتهم رجل مات منتحرا عاصيا لله , ولا
تأتي على يد قوم يريدون أن يكونوا على شاكلة الغرب في حريتهم ومعاشهم
وحياتهم , لا تأتي على أيدي قوم تنام فتياتهم مع فتيانهم في خيام في
الميادين بدون محارم , بل نساء سافرات متبرجات مختلطات .
إن نصرَ
الله هؤلاء الثوار على الحكام الظالمين المفسدين , فإن هذا لا يعني صلاحهم
بقدر ما يعني فساد حكامهم وبقدر ما يعني أنه أمر قدري من الله , وبقدر ما
يعني هذا الحديث الذي رواه ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية بسند حسن ,
عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال :
كان أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل
رضي الله عنهما يتناجيان بينهما حديثا ، فقلت لهما : أما حفظتما في وصية
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فجعلا يتذاكرانه فقالا : إنما بدء
هذه الأمة نبوة ورحمة ، ثم كائن خلافة ورحمة ، ثم كائن ملكا عضوضا ، ثم
كائن عتوا وجبرية وفسادا في الأمة ، يستحلون الخمور والفروج ، وفسادا في
الأمة ، ينصرون على ذلك ، ويرزقون حتى يلقوا الله – عز وجل .
فالنصر
لا يعني دائما أن المنتصر على حق , فلينظر المنتصر إلى حاله وصفته , فإن
كان صالحا عاملا بما أمر الله , فطوبى له , وأما إن كان مقصر في أغلب
الأشياء بل أهم الأشياء – كثوار اليوم – فعليه العفاء .
وخلاصة
الحديث .. ونهايته .. أن ما نراه اليوم , في أحداث الربيع العربي , إنما هي
فتنة للناس , على شاكلة الفتنة الكبرى التي حدثت مع الصحابة , فمهما كان
الحاكم ظالما فلا يجوز أن نقاتل إخواننا المسلمين ونسرف في القتل , ولا
يجوز أن نستنصر بالنصارى والغرب على إخواننا وان كانوا حكام ظالمين , لا
يجوز أن ندعي أننا ثوار , ونحن نسير في مظاهرات مختلطة ومتماسة أكتافنا
وأيدينا بأكتاف وأيدي والنساء , بل ونجد رجال تحمل النساء فوق أكتافهم
لتهتف !! , لا يجوز أن تبيت فتياتنا خارج بيوتهن , ولا يجوز مبيتهن مع رجال
أجانب أغراب ليسوا بمحارم في خيام في الميادين العامة !! , لا يجوز تنحية
الدين وأهل الدين جانبا , والمطالبة بأن نكون كأهل الغرب في حياتنا ومعاشنا
وحرياتنا .. فهم ليسوا مثلنا ولا نحن أمثالهم , إنه زمان الفتن الذي
أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلنتأمل هذا الحديث أشد التأمل ,
ولنتفكر بما جاء فيه بعين بصيرة , وعقل عقول منصف , ونحكّم عقلنا علّنا
نسترشد ونهتدي . روي الإمام أحمد في مسنده :- حدثنا عبد الصمد، وعفان،
قالا: حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا علي بن زيد، عن حطان بن عبد الله
الرقاشي، عن الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن بين يدي
الساعة الهرج " . قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل" . قالوا: أكثر مما نقتل،
إنا لنقتل كل عام أكثر من سبعين ألفا، قال: " إنه ليس بقتلكم المشركين،
ولكن قتل بعضكم بعضا " ، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: " إنه لتنزع عقول
أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء،
وليسوا على شيء " قال عفان: في حديثه قال أبو موسى: " والذي نفسي بيده ما
أجد لي ولكم منها مخرجا، إن أدركتني وإياكم، إلا أن نخرج منها كما دخلنا
فيها لم نصب منها دما ولا مالا " .
(أخرجه ابن حبان في صحيحه , و صححه
الألباني في السلسلة الصحيحة , وأخرجه الذهبي في تاريخه , وأخرجه ابن كثير
في جامع المسانيد والسنن )
ــــــــــــــــــ
صحيح البخاري 5778 , و 2704
صحيح مسلم 144
مسند أحمد 9/24 , 32/241
المطالب العالية لابن حجر العسقلاني 2/367
السلسلة الصحيحة للألباني 1682
صحيح ابن حبان 15/104
جامع المسانيد والسنن لابن كثير 10/267
استعنت بموقع الدرر السنية في تخريج الأحاديث الشريفة
....................................
أحمد فرغل الدعباسي البكري