أهرامات قوم عاد .. إرم ذات العماد !!
بقلم / أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي
===========
إنّ الأرض لله, يُورثها من يشاء من عباده, ويستخلف فيها من يُريد, والعاقبة
للمتقين. لقد جعل الله في الأرض خلفاء, منهم من حمل أمانة الاستخلاف فيها
أحسن ما يكون, كنبي الله آدم, ونبي الله داود عليهما السلام, ومنهم من نكث
على عقبه وخان الأمانة, وما أكثر هؤلاء الخونة على مرّ العصور.
مصر بلد النيل العظيم, المشرّفة من رب العالمين, بأن ذكر اسمها في كتاب
الله الكريم مرارا, وقال الله عنها على لسان نبي الله يوسف عليه السلام:
(ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) يوسف: 99. شرّف الله مصر
بمقدم أنبياء الله الكرام لها, منهم من علمنا أنه دخلها, ومنهم من جهلنا
أخبارهم. فقدم لمصر نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام, ونبي الله يعقوب
وولده نبي الله يوسف عليهما السلام, وأسباط بني إسرائيل الكرام, ووُلد بها
أنبياء الله موسى وهارون عليهما السلام, ودخلها روح الله ونبيه عيسى بن
مريم عليه السلام.
مصر حكاية جميلة, وقصيدة رائعة كروعة نيلها العظيم, وإن ذروة حكايتها, وبيت
قصيدها, قد لخّصته هذه الآية الكريمة, قال الله تعالى: ( وَأَوْرَثْنَا
الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ
وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ
الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا
كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) سورة
الأعراف: 137 .
يظن الناس أن "الفراعنة" هم: المصريون القدماء, أصحاب الأهرامات والمعابد
والتشييد والبناء !, ولو تأملوا قول الله عنهم: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ
يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) لتوقفوا عمّا
يقولون, ولأعمَلوا بعدها العقول, وحققوا في التراث ونقبّوا في التاريخ وما
جاء بهم من نُقول, ومن كتابات على جدران المعابد والقبور, ونقوش محفورة في
الصخور!. لعلموا حينها أن من أسس حضارة مصر وأشاد بها أعَاجِب الأهرامات
والمعابد والصروح الحجرية إنما هو قوم آخرين غير "آل فرعون".
تحدّث كثير من العلماء عن بُناة الأهرامات الحقيقيون وأطنبوا في الحديث
عنهم, ومنعاً للتكرار الممل, سأختصر خلاصة ما أميل إليه وأقتنع به, مما
توصلت إليه من نتائح استخلصتها من قراءتي لأقوال العلماء والباحثين عن بناة
مصر "القدماء", القصة كالأتي:
أهلك الله قوم نوح عليه السلام, وأنقذ من آمن منهم على ظهر سفينة نوح,
وحينها كان الميلاد الثاني للبشرية جمعاء. فبارك الله في سلالة البشر
الجديدة, ومن ذرية هذه السلالة الناجية جاء بنو الإنسان, قال الله تعالى:
(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ) سورة يس: 41.
انتشرت السلالة البشرية في أنحاء المعمورة, وظهرت عليها صفات لم تكن قد
ظهرت في أسلافهم السابقين من أمم ما قبل الطوفان, فلقد اختص الله بعض هؤلاء
الناجين بمِنَح إلهية, منها: الزيادة في الطول والقوة, وأول أمة ظهرت بعد
عصر الطوفان هي أمة (عاد) وهم الذين منحهم الله تلك المزايا, فلقد قال الله
تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) سورة الأعراف: 69, وكانت مساكن قوم عاد
"بالأحقاف", قال بعض المفسرون أن الأحقاف مكان بجنوب شبه الجزيرة العربية,
لكَون الأحقاف تعني لُغويا مكان تجمع الرمال, وقيل فيها غير هذا, ولكن نَرى
أن للأحقاف قِصة أُخرى لم يتطرق لذكرها المفسرون والعلماء, ربما لبُعد
الشُقة والمسافة الزمنية, وتواضع التقدم العلمي وقتذاك, أما اليوم.. فقد
جاء تأويل كثير من مُبهَمات الأمور, وظهرت كثير من خفاياها وخباياها.
وصف الله قوم عاد بصفة "خطيرة", ذكرها في القرآن الكريم, حيث قال على لسان
نبيهم "هود" عليه السلام: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ *
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ
بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) سورة الشعراء: 128-130, وتتحدث الآية عن إسراف
قوم عاد في البناء المفيد وغير المفيد, وقوتهم وطيشهم, وأنهم يبنون بكل
"ريع آية", والريع هو المكان المرتفع عن الأرض, والبناء هذا وصفه الله بأنه
"آية" في شكلها ومضمونها, ووصف الله قوم عاد أيضا في موضع آخر من القرآن
الكريم, حيث قال: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ
ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ) سورة
الفجر: 6-8, فتُرى ما هي هذه العماد التي ليس هناك شبيه له في البلاد ؟ ..
هل هي شئ آخر غير هذه الأهرامات ؟ !! .
انتشر وسكن قوم عاد بمساحة كبيرة من المعمورة, فهم كانوا نواة البشر
الجديدة, فليس هناك سواهم على الأرض, وانتشروا خاصة في "مصر" وهذا الذي قد
لا يتخيله كثير من الناس. وشادوا بها الأهرامات الموصوفة في القرآن بأنها
آية, وفي موضع آخر وصفت بأنها لا مثل لها في البلاد, وكان الناس في تناقص
في الطول والقوة من بعد الطوفان, فمبدأ قوم عاد كانوا على قدر عظيم من
القوة والطول, مكنهم من بناء الأهرامات الشامخة الكبرى بمصر, مثل أهرامات
الجيزة الثلاث, وجاءت الأجيال اللاحقة لهم وكانت أطوالهم وقوتهم أقل من
سابقيهم, فبنوا أهرامات أقل ارتفاعا, وأقل قدرا من الأهرامات الأولى بهضبة
الجيزة, حتى وصل الأمر إلى أشباه الأهرامات التي هي عبارة عن "مسوخ أهرام"
بناها أواخر قوم عاد, حتى وجدنا آخيرا أهرام غير مكتملة البناء !, وهي التي
شهد بناؤها مصرعهم, وعليهم تنزل غضب الله, فماتوا ولم يكملوا بعد بناء
أهرامهم هذه.
هلك قوم عاد, فقال الله متحدثا عنهم: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ
صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ
أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ
أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ) سورة
الحاقة: 6-8, فلم يعُد لقوم عاد باقية في الأرض من قومهم, والله تحدث عن
هلاكهم هم, وليس عن تدمير أبنيتهم, بخلاف "آل فرعون" الذين ذكر الله أنه
دمّر ما شيدوه من حضارة وبناء.
كان قوم عاد يعبدون نجم الشعرى, فتم بناء الأهرامات بحسابات فلكية تعتمد
على مواقع نجم الشعرى في السماء, وهذا أمر يعرفه جيداً علماء الآثار, ونجد
أن الله تعالى ذكر نجم الشعرى بالقرآن الكريم وبعده مباشرة تحدث عن هلاك
قوم عاد !! , فهو كلام الله وقول الحق, قال تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ
الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا
أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ
وَأَطْغَى ) سورة النجم: 49-52, فجاءت أهرامات هضبة الجيزة الثلاثة بهذا
الشكل الفريد, وبنيت لعبادة النجوم من دون الله, ولأسباب آخرى قد لا يتسع
المكان لذكرها, ومنها أن هذه الأهرامات كانت مولدات لطاقة استخدمها قوم عاد
!. وهلك قوم عاد, فإذا بالخلفاء الجدد قد أقبلوا من الغرب !! .
من جزر الكناري بالمحيط الأطلسي قبالة شواطئ دولة المغرب قدمت جماعة من
البشر, ونزلوا ببلاد المغرب فترة, ثم منها انقسموا فريقين, فريق نزل بليبيا
بصحراءها ,بالقرب من مدينة "سبها" وأنشأ بها حضارة اندثرت فيما بعد, ونزل
الفريق الآخر لوادي النيل, فوجدها خاوية من أهلها, فقد جاءوا بعد مهلك قوم
عاد مباشرة ! .
سكن هؤلاء القوم في ربوع مصر, واتخذوا من منازل قوم عاد معابد لهم !, فكما
نَرى أنّ معابد الفراعنة كانت على قدر كبير من الارتفاع في البناء, فهذه
الأبنية كانت قصور ومنازل لقوم عاد الأشداء الأقوياء ذوي الأطوال الكبيرة,
وعند مهلكم ثم قدوم أهل مصر الجدد, قام القادمون باتخاذ تلك القصور معابداً
للآلهة ! .
وَجَد هؤلاء القوم الجُدد الأهرامات الراسخة, والقصور الشامخة, والأعمدة
المتطاولة, التي كانت رمز لحضارة عاد, والتي وصف الله بها قوم عاد, فقال
عنهم: ( إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي
الْبِلَادِ ). كانت آثار بلا أصحاب, فإذا بالقادمين الجدد ينقشون أسمائهم
على تلك الآثار وينسبوها إليهم.
فتجد هرم "خوفو" و هرم "خفرع" وهرم "منكاروع", ثم تجد الهرم القزمي المسمى
بهرم "زوسر", حيث قال علماء الآثار أنه التجربة الأولى في العالم لبناء
الأهرامات, فظنوا أن أمر تلك الحضارة كان تصاعدي من الأقل إلى الأعلى, ولكن
هي حضارة مختلفة. حضارة بدأت قوية ثم اضمحلت, فبُني هرم "زوسر" في عصور
تلت بناء الهرم الأكبر , فخرجت صورته بهذا الشكل الأقل بهاءا من صورة الهرم
الأكبر !.
اشتهر القادمون الجدد بإسم "الفراعنة", وأسسوا بمصر حضارة, اعتمدت حضارتهم
على الذهب والسحر, واتصف ملوك الفراعنة بصفة سيئة, وهي سرقة جهود الغير ! ,
فتجد كل فرعون منهم عندما يجلس على عرش مصر فإنه يَهدم ما شيده الفرعون
السابق, بل ويمحوا اسم سابقه المنقوش على المعابد والصخور, وينسبها لنفسه
!! , أرى الأمر ما هو إلا تَوارُث لجينات أجدادهم القدماء الأوائل, الذين
جاءوا لمصر ونسبوا لأنفسهم كل ما شيّده قوم عاد بناة الأهرامات.
أَمر "فرعون" وزيره "هامان" ببناء صرح عال له, زمن نبي الله موسى بن عمران
عليه السلام, قال الله تعالى في القرآن على لسان فرعون: (فَأَوْقِدْ لِي
يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ
إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) سورة
القصص: 38 , فلم تكن قدرة "آل فرعون" وقتذاك تمكنهم من بناء الصروح الحجرية
الضخمة "الأهرامات", وإنما مَبلغ قدرتهم كان بناء صروح من طين محروق, وهو
حجارة من الطوب اللبن المحروقة بالنار, وهذه قلما نجد آثار لها في مصر,
لكونها كانت مما بنى وشيّد قوم فرعون, والله أخبر أنه دمّر ما صنعه قوم
فرعون, ولم يبق سوى ما بناه قوم عاد.
عصى وطغى فرعون وقومه, فأهلكهم الله ودمّر ما شيدوه, وهنا نستشهد بأول آية
ذكرناها في مبحثنا هذا, وهي قول الله تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ
الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا
الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) سورة الأعراف: 137.
وجاء من بعد قوم فرعون أقوام آخرين, بعضهم من بلاد العرب كالعماليق
والهكسوس, وبعضهم من النوبة, وليبيا, وبلاد فارس, حتى قدمها الإسكندر
المقدوني, وباقي التاريخ معلوم للجميع.
فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده, وأرض مصر كانت مساكن قوم عاد, فأهلكهم
الله لكفرهم, فصارت مساكن لقوم فرعون, فأهلكهم الله لكفرهم, وتعاقبت على
سُكنى مصر الأمم والأجيال وأهلكهم الله لكفرهم, حتى أشرق نور الإسلام
ببطحاء مكة, فانتقل منها لمصر فأنار ربوعها, والحمد لله رب العالمين, قال
الله تعالى, بسم الله الرحمن الرحيم: ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ *
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ
كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) سورة يونس: 13-14 .
.......................
أحمد فرغل الدعباسي البكري
رائع
ردحذفكيف تفسر نسب قبائل حضرموت و اليمن و شبة الجزيرة العربية يرجع نسبهم الى هود بن نوح عليهم السلام
ردحذف