قال أبو بكر الخرائطي (المتوفى سنة 327 هـ) حدثنا عبد الله بن أبي سعد،
قال: ثنا حازم بن عقال بن حبيب بن المنذر بن أبي الحصن بن السموأل بن
عادياء، قال: حدثني جامع بن خيران بن جُميع ابن عثمان بن سماك بن أبي الحصن
بن السموأل بن عادياء، قال:
لمّا حضرت الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، الوفاة، اجتمع إليه
قومه من غسّان، فقالوا: إنه قد حضرتك من أمر الله ما ترى، وما كنّا نأمرك
بالتزويج في شبابك فتأبى، وهذا أخوك الخزرج له خمسة بنين - وهم: عمرو،
وعوف، وجشم، والحارث، وكعب - وليس لك ولد غير مالك.
قال: لن يهلك هالك ترك مثل مالك، إن الذي يُخرج النار من الوثيمة، قدر أن يجعل لمالك نسلاً، ورجالاٍ بُسلاً، وكلٌّ إلى الموت.
ثم أقبل على مالك، فقال: أب بنَيّ، المنيَّة ولا الدَّنيَّة، العقاب ولا
العتاب، التجلُّد ولا التلدُّد، القبر خير من الفقر، إنه من قلّ ذلّ، ومن
كرم الكريم الدفع عن الحريم، والدَّهرُ يومان، فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان
لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصطبر؛ وكلاهما سينحسر، ليس يفلت منهما الملك
المتوَّج، ولا اللئيم المعلهج، سلِّم ليومك، حيَّاك ربُّك. ثم أنشأ يقول:
شهدتُ السَّبايا يومَ آلِ مُحَرِّقٍ = ولا أدركَ عمري صيحة الله في الحِجرِ
فلم أرَ ذا ملكٍ من الناس واحداً = ولا سوقةً إلاَّ إلى الموتِ والقبرِ
فَعَلَّ الذي أردى ثموداً وجُرهماً = سيُعقبُ لي نسلاً على آخرِ الدَّهرِ
تَقَرُّ بهم من آلِ عمرو بن عامرٍ = عيونٌ لدى الداعي إلى طلب الوترِ
فإنْ تكُنِ الأيّام أبلينَ جِدَّتي = وشيَّبنَ رأسي والمشيبُ مع العمرِ
فإنَّ لنا ربّاً علا فوق عرشِهِ = عليماً بما نأتي من الخيرِ والشرِّ
ألم يأتِ قومي أن لله دعوةً = يفوزُ بها أهل السيادة والبِرِّ
إذا بعثُ المبعوثُ من آل غالبٍ = بمكةَ فيما بين زمزمَ والحجرِ
هنالك فابغَوا نصرَهُ ببلادِكم = بني عامرٍ إنّ السيادةَ في النَّصرِ
ثم قضى من ساعته.
وعن شرح غوامض الكلمات التي جاءت في وصية أوس بن حارثة؛ فقد ذكر أبو علي
القالي (المتوفى سنة 356 هـ) في "الأمالي" تأويلها، كما أنه ساق الرواية
بطريق أخر، وهو: (عن أبي بكر بن دريد، قال: حدثني عمى، عن أبيه، عن هشام
بن محمد الكلبى، عن عبد الرحمن ابن أبى عبس الأنصارى، قال: عاش الأوس بن
حارثة دهرا وليس له ولد إلا مالك... إلخ)، وهذا ما ذكره عن تأويل الغوامض:
العذق : النخلة نفسها بلغة أهل الحجاز ، والعذق الكباسة.
والجريمة : النواة.
والوثيمة : هي الموثومة المربوطة ، يريد به : قدح حوافر الخيل النار من الحجارة.
والعرب تقسم هذا الكلام فتقول : لا والذي أخرج العذق من الجريمة ، والنار من الوثيمة.
لا فعلت كذا وكذا.
ومن أيمانهم : لا والذي شقهن خمسا من واحدة ، يعنون الأصابع.
ويقولون : لا والذي أخرج قائبة من قوب ، يعنون : فرخا من بيضة.
ويقولون : لا والذي وجهي زمم بيته ، أي قصده وحذاءه.
والبسل : الشجعان ، واحدهم باسل ، والبسالة : الشجاعة ، قَالَ الفراء :
الباسل : الذي حرم عَلَى قرنه الدنو منه لشجاعته ، أي لشدته ، لأنه لا يمهل
قرنه ولا يمكنه من الدنو منه ، أخذ من البسل وهو الحرام.
وقَالَ غيره : الباسل : الكريه المنظر ، وإنما قيل للأسد : باسل ، لكراهة
وجهه وقبحه ، يُقَال : ما أبسل وجه فلان ، قَالَ أَبُو ذؤيب : فكنت ذنوب
البئر لما تبسلت وسربلت أكفاني ووسدت ساعدي تبسلت : فظع منظرها وكرهت ،
وقَالَ : شيخنا أَبُو بَكْرِ بن الأنباري : قَالَ الأصمعي : الباسل : المر ،
وقد يبسل الرجل سبل بسالة إذا صار مرا.
والمشتف : المستقصي ، يُقَال : استشف ما فِي إنائه واشتف إذا شرب الشفافة ، وهي البقية تبقي فِي الإناء.
والمقتف : الآخذ بعجلة ، ومنه سمي القفاف.
وأمر : كثر عدده ، يُقَال : أمر القوم يأمرون إذا كثر عددهم ، قَالَ لبيد :
نعلوهم كلما ينمي لهم سلف = بالمشرفي ولولا ذاك قد أمروا
ومن كلام أوس بن حارثة أيضاً ما ذكره اليوسي (المتوفى سنة 1102 هـ) في "زهر الأكم"، وهو: (خير الغنى القنوع وشر الفقر الخضوع) اهـ.
قلت: ذكر وصية أوس بن حارثة أيضاً أبو هلال العسكري (المتوفى نحو سنة 395
هـ) ، فقال: (حدثنا أبو القاسم بن شيران قال حدثنا عبد الرحمن بن جعفر قال
حدثنا الغلابى قال حدثنا عبد الله بن الضحاك ومهدى بن سابق قالا حدثنا هشام
قال حدثنى عبد المجيد بن أبى عبس عن أبيه قال عاش أوس بن حارثة بن ثعلبة
بن عمرو مزيقياء بن عمرو دهرا طويلا وليس له ولد إلا مالك...إلخ)
ـــــــــــــــــــــ
مصادر ومراجع:
1- هواتف الجنان للخرائطي 1/ 64-65
2- أمالي القالي 1/ 102-103
3- جمهرة الأمثال 2/ 235-236
4- نثر الدر في المحاضرات 6/ 255-256
5- زهر الأكم في الأمثال والحكم 2/ 206-207
6- تاريخ دمشق لابن عساكر 3/ 456-457
7- البداية والنهاية لابن كثير ط إحياء التراث 2/ 404-405
8- خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى 1/ 541
9- إمتاع الأسماع 3/ 350-351
======================
اعداد/ أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي