الشيخ عَلي الأسمنتي
الخَلْوَتي المَالكي الصِدِّيقي
( سيرة ومسيرة )
إعداد:
أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي
بسم الله الرحمن الرحيم
آتِي بها اقتداءً بالله تعالى في كتابه، وعملاً بما ورد
فيها عن سيد أحبابه صلى الله عليه وسلم، أي: أؤلف مستعيناً باسم الله تعالى، حيث
أنه لا اعتداد بما لم يُصدَّر باسمه سبحانه وتعالى. والاسم مشتق من
"السمو" لأنه يعلو بمسمّاه، واللهُ اسمٌ للذات العَليّة ولا يُطلق على
غيره تعالى، وفي الآية: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)([1])، أي: هل تعلم أن أحداً سُمِّى بهذا الاسم الشريف غير
الله تعالى؟!
كانت هذه الديباجة هي أول ما استهل به الشيخ العلامة علي
بن محمود بن إسماعيل الأسمنتي الخَلوَتي كتابه الموسوم "منحة المجيد على سيف
المريد" الذي هو أشهر كتبه، رحمه الله.
والذي هو غاية قَصْدنا في مقالتنا هذه، لنتتبع سيرته،
ونستعرض من مسيرتِه ما يُيسرُ اللهُ لنا. فنقول بعد أن نُصلّي على سيدنا الرسول
وعلى آله وصحبه:
هو كما عُرِّف وعرّف نفسه : الفقير إلى الودود علي بن
محمود ، بن إسماعيل بن علي بن عيسى، الخَلوتيُ طريقةً، الأسمنتيُ بلداً، القِصاصيُ
الصديقي نسباً، من ذرية طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي
الله عنهما. والمولود بنجع أسمنت التابع لناحية الأوسط قمولا بغرب قوص عام 1277 هـ
الموافق لعام 1860 م وذلك في مدة حكم والي مصر محمد سعيد باشا وهو الابن الرابع
لمحمد علي باشا.
نشأته :
وُلد هذا النَجم في عصر مظلم بالناحية الغربية من وادي
النيل، في المنطقة التي كانت مقراً لمقابر المصريين القدماء، فغيرَ بعيد من قريته
تجد وادي الملوك ووادي الملكات، وُلِد بمنطقة غرب قوص التي كانت تُعرف بغرب قمولا
في العصور الإسلامية المتأخرة، والتي تُعرف حالياً بمسمّاها القديم الأزلي
"نقادة"، والتي كانت فيها حضارات قديمة عظيمة في عصور ما قبل التاريخ
وما قبل الأسرات.
نشأ الفتى نشأةً دينية، فألحقه أبوه الشيخ محمود بُكتّاب
قريته، وحيث لم تكن في قرى الصعيد النائية وقتذاك مدارس دينية على القدر المأمول،
سافر الشيخُ الصغير إلى عاصمة القُطر المصري، فالتحق بالأزهر الشريف، وتلقّى فيه
العلم على يد عدد من الأشياخ الكِبار، منهم: الشيخ مصطفى أحمد صالح القَلَتاوي،
والشيخ أحمد الرفاعي، والشيخ أحمد الجيزاوي، والشيخ مصطفى الشافعي، وغيرهم من
أجلّاء العلماء.
وكان كبقية – أو كغالبية – أهل الصعيد؛ مالكي المذهب،
فأتم دراسته وحصل على درجة العالِميّة من الأزهر الشريف على مذهب الإمام مالك.
فعمِل إماماً وخطيباً للمسجد الكبير بمدينة قوص عاصمة الإقليم، وانتسب – كعادة
علماء ورجال زمانه -
إلى أهل الطريق، واختار منها طريق السادة الخَلوتية، حتى
عُرف وعُرِّف بطريقته: الخَلوَتي الأسمنتي. وأما الخَلوَتية: فهي نسبة إلى الخَلوة، والاختلاء، ففيها يختلي المريد، فيناجي
ربّه بما يريد.
وقد كان لوالد الشيخ علي كبير الأثر في تكوين شخصيته
وحياته كما نلمح في كتاباته، فيحكي الشيخ علي في "منحة المجيد" عن حال
والده وفضائله فيقول: (كان الوالد رحمه الله تعالى من الذين اختارهم الحقُ
لمناجاته، واختصهم بالأُنسِ وعظيم هِباته، فقد صام الدهر أربعين سنة، مع قيام
الليل وتلاوة القرآن وقراءة الأحزاب مع الخشوع، وله في اليوم والليلة مائة ركعة
غير الفرائض. ولم يرتكب رحمه الله بدعة.
وكان يرى النبيَ صلى الله عليه وسلم كثيراً، ويقول: قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا. وكثيراً ما أراهُ صلى الله عليه وسلم
ويقول لي: أقرئ والدك مني السلام، فأُخبره بذلك فيبكي، ويقول: مثلي رسول الله صلى
الله عليه وسلم يرسلُ إليه السلام ؟!
وكثيراً ما يُخبرني عن أشياء تقع لي حال سفري، وكأنّه
معي، وإذا دهمني أمرٌ يُغيّر فِكري أراه مع بعض الرجال كالشاذُلي يقول لي افعل كذا
أو اتركه، فأجدُ نَفَعَه سريعاً) اهـ.
شاعريته :
كان رحى شِعره يدور حول المديح النبوي، في نزعةٍ صوفيةٍ
واضحة، فمما قاله في المديح النبوي:
يا رب صلّ على الحبيب
وآله
مَن وجهه فاق الهلال مــنـوّراً والشمسُ تقصُر عن شموسِ جبينه مَن عينُه تَسبي العقول كحيلةٌ مَن ريقُه فاق المكرّر سُكّراً مَن بَسمُه يكسو البدورَ بنوره مَن صدرُه كِنزُ العلوم وحكمة مَن قلبُه نورُ الهداية عمَّه وبكلِ طرفٍ يَظهرن له حكمة صلّى الله عليك يا عَلم الهُدى |
ما رام مشتاقٌ بهاء
جماله
مَن رأسه مسكٌ وشعر لياله والصبحُ من خدٍ زها بهلاله مَن ثغرُه عِطر ٌ بحقِ كماله مَن نُطقُه عذبٌ وصدقُ مقاله فاقت ثناياه الضياء بحاله مَن كفُّه بحرُ الندَى بنواله وله أزيزٌ في فيوض جلاله برهانُ هذا في الضحى ومثاله فبقدر حبِّك في لذيذِ وصاله |
وله من قصيدة سيد الشفعاء:
يا سيد الشفعاءِ جئتُكَ
قاصداً
روحي الفدا لتراب روض جمالكم فرِضاكُمُ عنّي مُناي وبُغيتي |
محو المساوي والكريمُ
يسامحُ
فانظر لمن يدعو الأنامَ وينصحُ وبه فؤادي يستريحُ ويُشرَحُ |
عِلمه :
كان الشيخ "علي" من أهل الطريقة والحقيقة كما
يقول المتصوفة، فلم يشغله تصوفه عن تعمّقه في علوم الشريعة، وقد مضى تخرّجه في
الأزهر الشريف وحصوله على شهادة العالِمية، ثم ولايته خَطابة جامع قوص الكبير،
فكانت للشيخِ عنايةٌ بعلم التاريخ والتراجم، فصنّف كتاباً في تراجم السادة
المالكية وسيأتي ذِكره، كما كانت له عناية بعلم الأنساب، فألحق بأحد كتبه قطوفاً
من أنساب قومه.
ومن الطُرَف ما رواهُ لي أحد رجال أسرة الشيخ الأسمنتي،
من أن شاعراً يُدعى علي أو خالد الحويطي أرسل أبياتاً شِعرية من أنواع الشِعر
الصعيدي المعروف بفن الواو، يسأل فيها أحد أعمام الشيخ علي المباشرين أسئلة، وكان
عمّه شاعراً لا يُشق له غبار في ذلك الضَرب الشِعري، ويعدّه البعض من الطبقة
الأولى العليا من شعراء أهل الصعيد، فهو الشاعر: حسين زوط بن إسماعيل بن علي بن
عيسى الأسمنتي.
وصل خطاب الحويطي، وفيه (كما رويته بكتابي: إقليم نقادة):
أنا أفتِّش
في الفن بلقيس
وقولّي على عرش بلقيس
وأنا عِشت
في الفن نسوة
كانوا كام نسوة ؟ |
||
وخبير شاف
في الدرب صحرا
مين كان كبير السحرا
وجبرين
لمريم حملها
كان كام عِدة حملها |
فحار الشاعر حسين في معرفة إجابة هذه الأسئلة، ولا سيمّا
معرفة صفة عرش بلقيس، وحال كبير سحرة فرعون زمن نبي الله موسى عليه السلام، ومعرفة
مقدار مدة حمل السيدة مريم بنبي الله عيسى عليه السلام، فما كان منه إلا أن ذهب
لابن أخيه الشيخ علي بن محمود، فأجابه الشيخ علي جواب فقيه، يظهر فيه مدى إلمامه
ومقدار علمه ومعرفته، فأفاده بأن عدة الحمل لم يرد فيها نص صريح، إلا أن النص
القرآني أفاد أن عدة الحمل كانت سريعة، وذلك لوجود حرف الفاء مكرراً مرتين في
الآية (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا)([6])، والفاء تُفيد السرعة، وتكرارها يفيد شدة السرعة، وأبان
له بأن هناك مِن أهل العلم من استدل بذلك على كون مقدار الحمل ساعةً من الزمان فقط
لا غير. وأما كبير سحرة فرعون، فهناك من قال بأنه كان أعمىً لا يرى!.
ففرح عمّه بذلك، وصاغ هذا الجواب في جوابٍ أرسله للشاعر
الحويطي، وأردفه بأسئلة أخرى يُريد جوابها منه، منها: (في أي أيام الحمل تنبت
أظافر الجنين، وينبت شعر الرأس) و(ما مقدار وزن السمع والذوق والشم - الأذن والفم
والأنف - بالجرام)، ولا شك عندي أنه إنما أخذ هذه الأسئلة أيضاً من ابن أخيه الشيخ
علي، يقول حسين زوط:
أنا ولا يوم
في الفن بلقيس
وإن كان على عرش بلقيس
وكلام جد لَم
فيه عباس
رووه عن ابن عباس
والعرش هو
صررها
سليمان فوق منه صررها ويرى المصابيح فضّة أجدع ذهب وقليل فضة واللي رسم العرش كان تمانين ورفعه أدرع تمانين ويوم السحرة ما اجتمعوا بموسى ولا كبيرهم بعينه نموسة ؟ سنين وشهور مريم عَم تسألني عن حَمل مريم يا حويطي مِتى بالعلا تملك الظَفر قولّي على منبع الظُفر
يا خِلّي في
حَملك كما الراس
وقت يُنبت الشعر في الراس أنا رحت مصر والشام السمع والذوق والشام
ويا حويطي
أنا أريدك
بصنعة لطافة أريدك
ولأجل
المحبة عافيتك
إنت حُر واضحة عافيتك |
يسوى مع
الحر خاذل
عن الكشّاف إسرا وخازن([8]) تفِيض الأجاني مولانا ده شيء ثابت من مولانا ده شُغل المعلم تميمي مرصّع جواهر تميني([9]) ميرسمش غيره لطوله([10]) حكم عرضه قد طوله كان الكل بالسحر أعمى أصحّ الأقاويل أعمى على أهل التُقى لَسَّاعة([11]) أصح الأقاويل ساعة خد الوضع تلقاه حَملك في أنهي يوم في شهور حَملك وياما ناس ع العلم تسعى قولي أنهي يوم في شهور تسعة |
تصوّفه :
شابه الأسمنتي أباه، فهو شاذُلي المشرِب، خَلوتي الطريق،
وبالخَلوَتيّة عُرف. فيقول الأسمنتي عن ذلك في "منحة المجيد": (وقد أخذ
- والدي الشيخ محمود بن إسماعيل – الطريقة الشاذلية، وكَمُل فيها، ثم أذِن له رسول
الله صلى الله عليه وسلم بأخذ الطريقة الخَلوَتية على أستاذنا العارف بالله تعالى،
الجهبذي الواصل، والعلّامة الألمعي الكامل، سيدي مصطفى بن أحمد بن صالح القلتاوي
بلداً الحَسني نسباً رضي الله عنه وعنا، فقدم إليه بمصر – يعني القاهرة – وأوقفه
على الوِرد الذي ألّفه في المناجاة، فانشرح صدره به وأقرّه على تلاوته، ولقّنه
الأسماء في حضرة واحدة) اهـ.
وأقول: ينعكس تأثير المشرِب الصوفي في كتابات الشيخ الأسمنتي،
إذ يغلب عليها الطابع الصوفي، بل وانعكس أيضاً على ذريته، حيث سمّى أولاده بأسماء
مشايخ من أهل الطريق: الحفني، والأمير، ثم الدردير، والشيخ أبي البركات أحمد
الدردير العَدوي المالكي الأزهري الخلوتي شيخ المالكية وشيخ رواق الصعايدة بالأزهر
الشريف الذي عليه التسمية هو أشهر مشايخ الطريقة الخلوتية ومشايخ السىادة المالكية
بمصر، رحمه الله تعالى.
رؤى الأسمنتي :
للشيخ الأسمنتي رؤىً أحسبها ذات أثر وتأثير في حياته،
وقد حدّثني عن إحداها أحد أحفاده، فقال: رأى جدي الشيخ علي في منامه النبيَ صلى
الله عليه وسلم قائماً، ينبعُ الماء ويتدفق من بين أصابع قدمه الشريفة، فجثا الشيخ
علي وشرب بفمه من نبع الماء.
وأخرى رأى فيها الشيخ علي أنه يغتسل في ماء واحد مع ابنة
شيخه مصطفى القَلَتاوي، فقَصّ على شيخه الرؤيا، وطلب يد ابنته، فاستشار الشيخ
أهله، وكان من ذرية الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. فسألوه عن
نسب الشيخ علي، إذ الكفاءة في النسب شرط لصحة عقد النكاح كما نصّ على ذلك أهل
العلم.
فما كان من الشيخ علي إلا أن صنف كتابه الأشهر
"منحة المجيد على سيف المريد" فأورد فيه نُتفاً من أنساب قومه الممتدة
أصولهم إلى صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ورفقيه في الغار: أبي بكر الصديق رضي
الله عنه، ثم تزوّجها الشيخ علي، وقد كانت هذه الرؤيا ذات بركة على قوم الشيخ، إذ
حفظت لهم تدويناً لأنسابهم، على قلة التدوين في تلك الأزمنة وبتلك الأمكِنة.
كرامات وحكايات :
تناقل الناسُ حكاية جرت بين الشيخين العَلَمين: علي
الأسمنتي، وأحمد الطيب الحَسّاني الذي هو جِد فضيلة شيخ الأزهر الشريف الشيخ أحمد بن
محمد بن أحمد الطيب وصاحب الطريقة الخَلوتية السطوحية، التقى فيها البحران: فقال
الطيب للأسمنتي: أنت في العِلم بحرٌ عظيم، وأنا فيه نهر صغير. فقال الأسمنتي: أما
البحر فراكد، وأما النهر فجارٍ.
فكأنه أشار أنه رغم سِعة علم الأسمنتي إلا أن هذا العلم
لن يكون مستمراً بنفس القدر في ذريته، في حين أن العلم سيستمر في ذرية الشيخ الطيب
دون انقطاع. فرحم الله الشيخين.
وحكاية أخرى رواها لي أحد رجال الصوفية، قال: سعى بعض
المغرضون أن ينالوا من ورع وديانة الشيخ الأسمنتي، فبعثوا له إمراةً في الطريق،
أوهمته أنها حامل، وأنها تريده في حاجة ماسة، فاستدرجته حتى أدخلته بيتها، ثم
غَلَّقت أبوابها، وألْقَت عنها ثيابها، وأبانت حملها الكاذب، وقالت: إما وإما. إما
تفعل وإما أصرخ في الناس أنك دخلت بيتي لتعتدي على شرفي، فاحتار الشيخ ماذا يفعل
وبمن يستجير!
ثم راوغها وطلب منها تركه يدخل الحمّام ليغتسل، فتركته،
فدخل ونادى ربّه، قال: اللهم إنك قد قلت في كتابك الكريم (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ
لَهُ مَخْرَجًا)([15]) فاللهم مخرجاً!. فما فرغ من الدعاء حتى رأى بجدار
الحمام كوّةً نافذة تُطل على الشارع، فاستطاع أن ينفذ منها بجسده ويَخرج من هذا
الدار ومن هذا المأزق، بفضل من الله ورحمة.
إنتاجه العلمي :
للشيخ الأسمنتي العديد من المصنفات، يغلب على أكثرها
الطابع الصوفي والشِعري، أحصينا منها: الدرر السنية في تراجم السادة المالكية، والهِبات
الربانية في مولد خير البريّة، والدرر البهيّة، وفتح الرحمن، وقرة الأعين.
ومن إنتاجه الشِعري، مصنفاته: زهرة الرياض في مدح خير
العباد، ومنحة الصفا لمن أراد العز والوفا، ومنحة المجيد على سيف المريد (وهو شرح
على متنه المسمى بـ سيف المريد) والذي فيه يقول:
حمداً لِمن أبدى وأنعم
بالعطا
فهو الحبيب المصطفى باب الهُدى هذا كتابٌ في المسير إلى العُلا سمّيته سيفُ المريد إلى العلا فاعلم بأن العِلم منهجَ مَن نوى فاسلك سبيل الناسكين مع الرضا |
ثم الصلاةَ على الذي كشف
الغطا
والآلِ والأصحابِ ما نجمٌ بدا لابن محمود القِصاصي هو على يُغنَى به عن كل سَفر في الملا قُرب المهيمن مَن على العرش استوى وذَر الذي عن نهج أحمدٍ أعرضا |
وهو في خمسةٍ وخمسين بيتاً. وقد قرّظ له عددٌ من
العلماء، منهم الشيخ مصطفى صالح القلتاوي، والشيخ محمد الروبي، والشيخ محمد عليش،
والشيخ أحمد عمر النشوي وغيرهم، ومما قاله القَلتَاوي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
وبعد: فقد اطلعتُ على كتاب منحة المجيد على نظم سيف المريد، فوجدته كتاباً بديعاً،
يُرحل إليه كما يُعلم ذلك بالوقوف عليه، تأليف العلامة الكامل والألمعي الجهبذي
الواصل، الشيخ علي بن محمود الأسمنتي المالكي الصديقي، فجزاه الله على ذلك أحسن
الجزاء، في دار الخلد والثواب والجزاء.
كتبه مصطفى صالح القلتاوي الأزهري
مكانته :
تبوأ الأسمنتي مكاناً سامياً بين علماء زمانه في بلاده،
فكما تقدم فقد أوغل الشيخ علي في علوم الحقيقة وصنّف فيها وأجاد، كما صنّف في علوم
الشريعة، وفي التاريخ، ما جعله ممن يشار لهم بالبنان، في زمن قل فيه من يلتمس
طريقاً إلى العلم، وتظهرُ مقدار المحصلة المعرفية العظيمة للأسمنتي عند مطالعة
مصنفاته، إذ تتعدد مصادره وتتنوع، فتجدها بالمئات، فقد كان رحمه اللهُ جيد التحصيلِ،
وعاءً من أوعية العِلم، على جزالةٍ في التعبير، وبراعةٍ في التبيين، وسلامةٍ في
اللغة.
وعلى المستوى الاجتماعي فقد عُرف الشيخ علي الأسمنتي
بكونه من المصلحين في قومه وبلاده، وممن تنحّل على أيديهم أعقد المشكلات، رغم صِغر
سنّه، إذ مات في كهولته بعد الخمسين بقليلٍ، وقليلٌ ما تتأتى تلك المكانة لمن هو
في مثل عمره، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقد كان الشيخ علي ممن وقع عليه اختياري كأحد أهم أعلام
ذرية سيدنا أبي بكر الصديق في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري بصعيد مصر،
فترجمتُ له بكتابي الموسوم بـ: السلالة البكرية الصديقية.
وأيضاً كان ممن ترجمت لهم في كتابي الآخر: إقليم نقادة
بصعيد مصر، كأحد أهم الأعلام بل والرموز البشرية بإقليم نقادة.
كما تُرجِم له في معجم البابطين لشعراء العربية في
القرنين: التاسع عشر والعشرين.
نسبه :
كان الشيخ الأسمنتي يَعتزي في النسب لقبيلته "عُربان
قِصاص"، فيلحق اسمه بلقب: القِصاصي، كما كان شيخه مصطفى القلتاوي ينعته
بالصديقي، نِسبة للصديق أبي بكر رضي الله عنه. ويقول الأسمنتي عن نسبه أنه: علي بن
محمود بن إسماعيل بن علي بن عيسى القِصاصي من بني قَصّة من ذرية طلحة بن عبد الله
بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، تنتشر قبيلته في بلدان عدة بصعيد
مصر الأعلى، وقد عدد بعض تلك الأمكنة، فذكر منها: قرية إقصاص المراغة بسوهاج،
وقرية المراشدة بقنا، وقرية البلاص والزوايدة بقنا، وقرية دنفيق بقوص، وقرية
الأوسط قمولا مسقط رأسه، وقُرى القبلي قمولا والقرنة والبعيرات والرزيقات
والمطاعنة وغير ذلك، ثم قال: وهم في جميع الأقطار سادات العرب كرماً وشجاعةً
وحلماً وعِلماً كما هو مشهور. وقال: ولم يزل الصديق رضي الله عنه يلاحظهم ويمدّهم
في حياته وبعد مماته ويغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم. وما حصل لي من أمرٍ يهُمّني إلا
رأيته رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلتي في رفع ما بي وبلوغ
مأربي، وما قصدني أحدٌ بسوءٍ إلا رجع سيف بغيه عليه من بركته رضي الله عنه، وفيه
لبعضهم:
سهام بني الصديق موعدها
القبرُ
أفاعي رُقطٌ ، سمّها سم ساعة ملوكٌ عُلا بِيض الوجوهِ جمالهم رواسي جبال لا يُقاوون شدة محامدهم جَلَت ، مراتبهم سَمَت فأحبابهُم والمبغضون تقاسموا |
فخذ جانباً عنها وإلا
فَلَك الغدرُ
أسودٌ قراع ما الأسودُ وما النمرُ أقمَرَت له شمسُ الظهيرةِ والبدرُ ومن ذا يُقاوي والصدّيقُ لهم ظهرُ تَعَالَوا تَعَالَوا أن يُحيط بهم حَصرُ فهذا له ربحٌ وهذا له خُسرُ |
ذريته :
أعقب الشيخ علي من الذكور: الشيخ الحفني، والشيخ
الدردير، والشيخ الأمير، مات منهم الحفني والدردير عن عقب كثير، غير أن الأمير ليس
له عقب من الذكور إنما من الإناث. وقد رُزِق الشيخ علي من البنات اثنتين.
وفاته :
توفي رحمه الله في مسقط رأسه أسمنت، سنة 1334 هـ الموافق
لسنة 1915 م وله من العُمر 55 سنة. ودُفِن بمقبرة بلدته، وأقيم فوق قبره ضريح،
معمور، يزار، تم تجديد بناءه هذا العام على يد أحفاده. كما يقيم أهل بلدته مولد
سنوي في منتصف شهر يونيو من كل عام، إكراماً للشيخ وإعظاماً لحقّه حسب اعتقادهم،
يُطعَم فيه الطعام، ويُكرم الأضياف، ويقام سباق الخيول، وألعاب التحطيب، ويفرح فيه
الولدان بأطايب الحلوى وأصناف الطعام.
مراجع ومصادر الدراسة:
- منحة المجيد على سيف المريد لعلي بن محمود الأسمنتي،
طبعة سنة 1329 هـ / 1911 م بالمطبعة الحسينية المصرية – الطبعة الأولى.
- السلالة البكرية الصديقية لأحمد عبدالنبي فرغل
الدعباسي، الطبعة الأولى 2014 م، مؤسسة الأمة العربية للنشر، ج 2 / ص 280-281
- إقليم نقادة بصعيد مصر لأحمد عبدالنبي فرغل الدعباسي،
الطبعة الأولى 2015 م، مؤسسة الأمة العربية للنشر، ص 130، 156-158
- الموقع الالكتروني: معجم البابطين لشعراء العربية في
القرنين: التاسع عشر والعشرين.
- زيارات ميدانية لقرية المُترجَم له وذريته.
وكتبه/ أحمد بن عبد النبي آل فرغل الدعباسي البكري
يوم الخميس 13 محرم 1441 هـ / 12 سبتمبر 2019 م
محافظة قنا – صعيد مصر
ما شاء الله جهد طيب
ردحذفولكن أين نحصل على نسخ من مؤلفاتكم؟
هنا تجد بعض مؤلفاتي بصيغة pdf
ردحذفhttp://albakri89.blogspot.com/2016/02/blog-post_10.html