بنو الشيطان: الجِنّ تَلِد أم تَبيِض ؟! يبدو أنها تبيض
!
الجن مخلوق خلقه الله من نار، ومثله الملائكة خلقها الله
من نور، والبشر والدواب والطير خلقهم من تراب، فلم تكن للملائكة ذرّية؛ إذ لا هَمْ
لهم إلّا عبادة الله عز وجل، بينما البشر والدواب يتكاثرون عبر التوالد والحمل في
البطن، وأما الطير فيتكاثرون عبر التوالد من داخل البيض الذي يكون بمثابة الرحم
للجنين.
أما الجن فمعلوم أنهم يتوالدون، قال الله تعالى (وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ
فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ
مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) سورة الكهف:
آية 50، ولكن لا يُدرى أيتوالدون كالبشر والدواب أم يبيضون كالطير ؟!
الجن لا يراهم البشر، قال الحق سبحانه (يَابَنِي آدَمَ لَا
يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ
عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ
مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ) سورة الأعراف: آية 27، ولَمَّا كان ذلك أصبح القول في كيفية
تكاثروهم ضرباً من ضروب القول بغير علم، إذ لا سبيل إلى الغيبيات إلّا بسلطان
الشريعة، من نصّ من كتاب الله، أو قول للنبي صلى الله عليه وسلم، أو حديث لأحد
الصحابة في ذلك؛ إذ عِلمهم عالة على عِلم الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولما نظرتُ في الحديث الشريف وكتب أهل العلم، وجدتُ ما
يدلل على كون الجِنّة تبيض، لا تلد، ومن أدلة ذلك ما سأسرده بعون الله:
1- ذكر ابن أبي حاتم الرازي (ت 327 هـ) في "تفسير
القرآن العظيم" في تعليقه على الحديث الذي رواه الطبراني في "المعجم
الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان" وغيرهما، عن سَلْمَانَ عن النبي
صلى الله عليه وسلم: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا
تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منه فيها باض الشيطان وفرخ".
يقول أبو حاتم: وهذا يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه،
والله أعلم. وذكر مثله كل من: أبو عبد الله القرطبي (ت 671 هـ) في تفسيره
"الجامع لأحكام القرآن"، محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393 هـ) في "أضواء
البيان".
قلت: يُفهم من ذلك إقرار أبو حاتم لظاهر اللفظ النبوي؛
من كون الشيطان يبيض ويفرّخ كما الطيور.
2- أصدر الشيخ المفتي عطية صقر؛ فتوى بتاريخ مايو 1997 م
عن دار الإفتاء المصرية، قال فيها: (يقول القشيرى أبو نصر: والجملة أن الله تعالى أخبر
أن لإبليس أتباعاً وذرية وأنهم يوسوسون إلى بنى آدم وهم أعداؤهم، ولا يثبت عندنا كيفية
في كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس، فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح. انتهى،
وهذا هو الكلام الصحيح. يقول الشعبى: سألنى رجل فقال: هل لإبليس زوجة؟ فقلت: إن ذلك
عرس لم أشهده. ثم ذكرت قوله تعالى {أفتتخذونه وذريته أولياء} فعلمت أنه لا تكون ذرية
إلا من زوجة، فقلت نعم. وينقل القرطبي عن مجاهد أن إبليس أدخل فرجه فى فرج نفسه فباض
خمس بيضات، فهذا أصل ذريته، وقيل: أن الله تعالى خلق له في فخذه اليمنى ذكراً، وفى
اليسرى فرجاً، فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون
شيطاناً وشيطانة، فهو يخرج وهو يطير. . . ذلك بعض ما فى الكتب وغيره كثير مما أربأ
بالمسلمين اليوم أن يعنوا به).
3- قال عز الدين ابن الأثير الجزري (ت 631 هـ) في
"الكامل في التاريخ": (ولما رأى جيبال ملك الهند ما دهاه، وأن بلاده تملك
من أطرافها، أخذه ما قدم وحدث، فحشد وجمع واستكثر من الفيول، وسار حتى اتصل بولاية
سبكتكين، وقد باض الشيطان في رأسه وفرخ، فسار سبكتكين عن غزنة إليه ومعه عساكره).
وذكر هذا اللفظ أيضاً مِن قَبله ومِن بعده: محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) في
"تاريخه"، والحافظ ابن عساكر (ت 571 هـ) في "تاريخ دمشق"، وسبط
ابن الجوزي (ت 654 هـ) في "مرآة الزمان"، والحافظ شمس الدين الذهبي (ت
748 هـ) في "تاريخ الإسلام"، وابن حجر الهيتمي (ت 974 هـ) في
"الزواجر عن اقتراف الكبائر".
4- قال وكيع (ت 306 هـ) في "أخبار القضاة" : (وكان
ببغداد رجل يقال له "فرخ الشيطان"، أسفه الناس) اهـ.
5- قال أبو المنذر المنياوي في "الأساليب
والإطلاقات العربية" : [دلت الآية الكريمة - أي قوله تعالى:
{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ
عَدُوّ} (الكهف: 50) - على أن له ذرية، أما كيفية ولادة تلك الذرية فلم يثبت فيه
نقل صحيح، ومثله لا يعرف بالرأي. وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: قلت: الذي ثبت
في هذا الباب من الصحيح ما ذكره الحميري في الجمع بين الصحيحين عن الإمام أبي بكر
البرقاني: أنه خرج في كتابه مسنداً عن أبي محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ، من
رواية عاصم، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا
تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فيها باض الشيطان وفرخ» وهذا يدل على
أن للشيطان ذرية من صلبه.
قال مقيده عفا الله عنه: هذا الحديث إنما يدل على أنه
يبيض ويفرخ، ولكن لا دلالة فيه على ذلك. هل هي من أنثى هي زوجة له، أو من غير ذلك،
مع أن دلالة الحديث على ما ذكرنا لا تخلو من احتمال؛ لأنه يكثر في كلام العرب
إطلاق باض وفرخ على سبيل المثل. فيحتمل معنى باض وفرخ على سبيل المثل؛ فيحتمل معنى
باض وفرخ أنه فعل بها ما شاء من إضلال وإغواء ووسوسة ونحو ذلك على سبيل المثل، لأن
الأمثال لا تغير ألفاظها].
وفي النهاية أوردُ نصاً طريفاً ذكره النسابة أبو المنذر
هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت 204 هـ)، ونص آخر للنسابة شهاب الدين أبي الحجاج
الأشعري (ت 600 هـ)، يُذكَرُ فيه شيطانان من العرب لهما ذرية وأولاد،وهما من الإنس
وليس الجان ! ، رجلان اسماهما (الشيطان).
يقول ابن الكلبي في "نسب مَعَد واليمن الكبير":
(وَوَلَد الشيطان بن بكر بن عوف بن النخع: معاوية رهط المكفف، وهو قيس بن يزيد بن
عبد الله بن قيس بن عبد الله بن معاوية بن الشيطان، كان من أصحاب علي عليه السلام،
مات بالكوفة، فصلّى عليه وكبّر أربع تكبيرات) اهـ.
ويقول الأشعري في "التعريف بالأنساب والتنويه بذوي
الأحساب": (وأما الحارث الولادة أخو حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن كِندة؛
فولده: عبد الله وهو الشيطان. وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بنفر منهم، فقال:
من أنتم؟، فقالوا: بنو الشيطان، فقال: أنتم بنو عبد الله، فبعضهم يقول في بني عبد الله،
وبعضهم يقول: بنو الشيطان، فمن ولد الشيطان معدان بن الأسود بن معدي كرب بن تمامة بن
الأسود بن الشيطان وهو باليمن) اهـ.
انتهى.
كتبه/ أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي
يوم الإثنين 14 محرم 1440 هـ
24 سبتمبر 2018
م.