-->
مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري
مدونة تُعنى بالتاريخ والتراث والأنساب، لصاحبها: أحمد بن عبد النبي آل فرغل الدعباسي البكري، من محافظة قنا - بصعيد مصر. رئيس لجنة تحقيق الأنساب بمشيخة السجادة البكرية الصديقية. له من المؤلفات: السلالة البكرية الصديقية (في جزأين) ط 2014، إقليم نقادة بصعيد مصر ط 2015، إزالة الالتباس عن نسب الشيخ عزاز ط 2016، كناشة الدعباسي ط 2017، التبيين فيمن وطئ أرض مصر من العمريين ط 2019
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

(يوم الإيامة).. البحاروة والصعايدة أيهما أعوج لِساناً وأقوم بَياناً؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

(يوم الإيامة).. البحاروة والصعايدة أيهما أعوج لِساناً وأقوم بَياناً؟!


الإعلام كالخمر؛ ضرره أكبر من نفعه، هكذا أراه. خاصة أن المتحكم به تكون له الغلبة في إيصال فكرته ونشر ثقافته بدرجة أكبر من غيره. ولَمّا كانت الدلتا أقرب للقاهرة عاصمة مصر من الصعيد، لكونها قطاع عرضي من الأرض، بخلاف الصعيد الذي هو قطاع طولي، فبين أقصاه وبين القاهرة قرابة ألف كيلو متر، بينما لا تبعد أطراف الدلتا عن القاهرة إلا ما يقارب ربع هذه المسافة.

فغلبت على أهل القاهرة والدلتا ثقافة شبه واحدة، بالأخص الثقافة اللغوية، حتى كادت تتطابق لهجاتهما، عدا بعض أطراف الدلتا الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية الملاصقة لأطراف الصعيد.

أطالع كثيراً في الإعلام (المكتوب والمسموع والمرئي) ما يؤذي ناظري؛ من تَهكّم واضح على لهجة أهل الصعيد، حيث يتوهم أهل القاهرة وكثير من أهل الدلتا ممن يُعرفون بمسمّى: (البحاروة)، أنهم الأرقى في كل شيء، حتى في اللغة.

في حين أن المتأمل المنصف قد يجد – حتماً – خلاف ذلك، حتى في الاسم نفسه؛ تجد أن الصعيد مُشتق من "صعيد الأرض" وهو أعلاها، بينما القاهرة والدلتا يقعان في أسفل مصر جغرافياً. كما أن كل أهل مصر يعلمون مدى تمسّك أهل الصعيد بمكارم الأخلاق والصفات المحمودة أكثر من غيرهم، فكيف بالله تكون لهجة الصعيد مثاراً للسخرية؟ فمن يا ترى صاحب اللسان المعوّج: الصعايدة أم غيرهم؟!

لنُجيب عن هذا السؤال دعونا نتأمل المجموعات الرئيسية للهجات أهل مصر، فسنجدها تقريباً كما يلي:

1- لهجة أهل الصعيد

2- لهجة وسط الدلتا والقاهرة

3- لهجة أطراف الدلتا

4- لهجة بدو سيناء

5- لهجة بدو مطروح

6- لهجة سكان الواحات

7- لهجة أهل النوبة

8- لهجة قبائل البجة

وعندما ننظر في أبرز فارق بين لهجات أهل مصر، نجده: إظهار أو ترقيق أو استبدال حرف الجيم والقاف. وهنا نجد أن غالبية أهل الصعيد وبدو سيناء وبدو مطروح وسكان الواحات وأهل النوبة وقبائل البجة ينطقون حرف الجيم وحرف القاف بشكل واضح، وأحياناً يُعطّشونهما ويُبالغون في إظهارهما. وقد يوافقهم في هذا أيضاً بعض سكان أطراف الدلتا، لا سيما سكان أقصى شمالي الدلتا بسواحل محافظة كفر الشيخ، لكون أصول كثير من سكانهم تعود للموريسكيين أو المواركة، وهم أهل الأندلس، الذين استوطنوا تلك النواحي بعد طردهم من الأندلس، وحملوا معهم لهجة المغاربة، التي تمتاز بإظهار وقلقلة حرف القاف، ومن أشهر ذلك قولهم: (قولتله قوم، قالي ما قايمش).

وأيضاً أطراف القاهرة الجنوبية التي تكثر فيها القبائل العربية البدوية والشبه بدوية، ممن تأثروا بعرب الجيزة وهم من أهل الصعيد.

وكذلك سكان الأطراف الشرقية للدلتا، مثل أجزاء من محافظة الشرقية والدقهلية، والتي تأثرت لهجتهم بلهجة بدو سيناء بقدرٍ ما.

وأخيراً سكان الأطراف الغربية من الدلتا، مثل أجزاء من محافظة البحيرة والفيوم، وهؤلاء واضح جداً تأثرهم بعرب مطروح ذوي الأصول الليبية، ولهجتهم هي الأقرب للهجة الصعايدة، خاصة وأن قرابة ثلث أو نصف أهل الصعيد تعود أصولهم لصحراء برقة بليبيا، وأهل برقة هم أفصح الناس، ففيهم قال الرحّالة أبو عبد الله العبدري القرشي: (وعرب أهل برقة اليوم من أفصح عربٍ رأيناهم، وعرب الحجاز أيضاً فصحاء، ولكن عرب برقة لم يكثر ورود الناس عليهم) وهنا نجده جعل لهجتهم أفضل وأصرح من لهجة أهل الحجاز أنفسهم. وفيهم قال الأديب طه حسين: (إذا أعوزتكم اللغة فعليكم ببدو برقة). أي إذا ضاعت اللغة العربية أو فقدتم شيئاً منهما فالتمسوها عند أهل برقة.

وفي الصعيد من لا يعود أصله إلى بلاد برقة، فسيكون أصله غالباً إما من بلاد الحجاز أو من بلاد اليمن، وناهيك بثلاثتهم في الفصاحة. فبالله كيف يُتهم الصعايدة ورثة فصاحة أهل برقة والحجاز واليمن بتضييع اللغة العربية؟ ومَن يتهمهم بهذا هو الإعلام الذي أثّرت فيه ثقافة الأقوام الغير عربية من الترك والشركس والألبان وغير ذلك، ممن طفحت بهم حواري وأزقّة القاهرة وغيرها.

ومما سبق نجد أن الغالبية من أهل مصر يُثبتون حرف الجيم والقاف، فلا يقولون ما يصوّره الإعلام مثلاً عن طريقة أداء الأنشودة الصعيدية التالية: (يا بهيّة وخبريني يا بوي عاللي جتل ياسين، وأنا كل ما أجول التوبة يابوي ترميني المجادير يا عين). فهذا ظُلم وإجحاف.

فهم لا يقولون: (جتل ياسين)، ولا (أجول التوبة)، ولا (المجادير)، وإنما يقولونها: (قتل ياسين) و(أقول التوبة) و(المقادير) بتخفيف القاف أحياناً، وبتشديدها أحياناً (مثل سكان سواحل الدلتا من أحفاد المواركة) – كما تقدّم - لكنهم في الحالين لا يستبدلون القاف بالجيم أبداً.

بل إن ما يرونه هؤلاء عيباً عند أهل الصعيد في نطق القاف، يفعلونه هم أنفسهم في حرف الجيم، حيث ينطقون الجيم بنفس نطق الصعايدة للقاف المخففة. فلا يقولون (الجبل والجمل والقلب): وإنما (الجبل والجمل – بقاف صعيدية مخففة)، ويقولون: (الكلب – بقاف تشبه الكاف). فانظر رعاك الله لمن يتشابه الكلب عندهم والقلب في النطق!

وإضافة لذلك فإن من جنى على اللغة ليس الصعايدة وغالبية أهل مصر الذين يُثبتون القاف والجيم، بل الجناة هم من كادوا يقضون على حرف القاف، حيث استبدلوه بحرف الألف، فيقولون: (يوم الإيامة)، و(البَئرة)، و(البرتوآنة)، و(مش آدِر أؤول أكتر من كده).

فمن يسمع هذا الكلام قد يظن أنه من غير لغة العرب، فلا يوجد في اللغة العربية شيء اسمه: (يوم الإيامة) إنما هو (يوم القيامة)، وكذلك فالدابة ليس اسمها(البئرة) إنما اسمها: (البقرة)، والفاكهة ليس اسمها (البرتوآنة)، إنما اسمها: (البرتقالة)، وأخيراً: (مِش قادر أقول أكتر من كِدة).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

وكتبه الباحث/ أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي البكري

من محافظة قنا بصعيد مصر الأعلى

يوم الأربعاء 10 ذي القعدة 1441 هـ / 1 يوليو 2020 م


عن الكاتب

أحمد فرغل الدعباسي البكري

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري

2016