-->
مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري
مدونة تُعنى بالتاريخ والتراث والأنساب، لصاحبها: أحمد بن عبد النبي آل فرغل الدعباسي البكري، من محافظة قنا - بصعيد مصر. رئيس لجنة تحقيق الأنساب بمشيخة السجادة البكرية الصديقية. له من المؤلفات: السلالة البكرية الصديقية (في جزأين) ط 2014، إقليم نقادة بصعيد مصر ط 2015، إزالة الالتباس عن نسب الشيخ عزاز ط 2016، كناشة الدعباسي ط 2017، التبيين فيمن وطئ أرض مصر من العمريين ط 2019
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

دراسات: الأسطورة والخرافة في كتاب اقليم نقادة للدعباسي

دراسات : الأسطورة والخرافة في كتاب إقليم نقادة بصعيد مصر " المعالم التاريخية والبشرية " لأحمد عبدالنبي فرغل الدعباسي

بقلم/ فتحي حمدالله
==========
 
يطل علينا الباحث أحمد عبدالنبي بإصداره الثاني "إقليم نقادة بصعيد المعالم التاريخية والبشرية " بعد عمل موسوعي تحت عنوان "الموسوعة البكرية الصديقية التاريخ والأنساب والمشاهير " وهو كتاب متخصص في متخصص في علم الأنساب العلم الأثير للكاتب ، وقد لاقي الكتاب الأول قبولاً لدى الأوساط المهتمة بعلم الأنساب ، كما لاقي جدلاً بين أوساط المعنيين بهذا العلم من المتخصصين . لكن يبقى هذا الكتاب درة التاج في إصدارات علم الأنساب في السنوات الخمس الأخيرة .
وفي كتاب " إقليم نقادة " يستهدف الباحث أن : "يحي ما مات من علم علمائها ، وينشر ما انطوى من فضل فضلائها ، ويظهر ما خفى من نثر بلغائها من نظم شعرائها ، ويذكر ما نسى من مكارم كرمائها ، وكرامة صلحائها " (1).
مفهوم الأسطورة :
الأساطير قصص كبرى انتجتها كل حضارة لتقدم من خلالها مفاهيمها ، ولتصوغ من خلالها رؤى تفسر الكون والاجتماع الانساني ، ولا تكاد تخلو حضارة من أساطير بارزة تشتهر بها ، قد تكون هذه الأساطير خيالية بدرجة كبيرة ، أو ترتبط بالواقع الثقافي مباشرة ، لكنها قد تستند إلى بعض الوقائع التاريخية وتتضمن أسماء بعض الأمكنة والأحداث الحقيقية ، ثم تنسج حولها قصصًا لا صلة لها بالواقع .
( المعجم الفلسفي / د. مصطفى حسيبة الناشر: دار أسامة للنشر والتوزيع – الأردن )
مفهوم الخرافة :
هي اعتقاد أو فكرة لا تتفق مع الواقع الموضوعي بل تتعارض معه وليس كل اعتقاد أو فكرة تتعارض مع الواقع الموضوعي تعتبر من الناحية العلمية خرافة ، ولكن يشترط في هدا الاعتقاد أن يكون له صفة الاستمرار .
فهو ليس مجرد خاطر طارئ لموقف وقتي أو تفسير عارض لظاهرة عرضية بل له وظيفة في حياة من يؤمنون به ويستخدمونه في مواجهة بعض المواقف وفي حل بعض المشكلات الحياتية .
(محمود يحيي فهمي : 1995 : 14 (
الخرافة والأسطورة في الجنوب :
تمتزج الأسطورة بالخرافة في المجتمعات الجنوبية بشكل لا تستطيع أن تميز بينهما وبخاصة في نقادة موضع البحث الذي قام به الكاتب ، فجذورهما – الأسطورة والخرافة - تضرب في ثلاثة مواضع أو قل ثلاثة عصور تاريخية ، العصر الأول هو العصر الفرعوني ، والعصر الثاني هو العصر القبطي ، ثم العصر الإسلامي .
أولاً : العصر الفرعوني
أورد الكاتب أسطورة الإله "ست " وعرض سبب عبادته في " أمبوس " ( مدينة قديمة تسمي حالياً طوخ ) لأن السكان شعروا بأن التلال تحيط بهم فعبدوا إلهاً يتناسب مع بيئتهم ، وشبهوه بكلب الصيد وأطلقوا عليه " ست نبتي " اي ست المنتمي لمدينة نوبت وهو إله العواصف والعنف وجعلوا ميدان قوته الليل المخيف والظلام المرعب ، وعمت هيبته كل سكان الوادي بغرب النيل تجاه قوص ، وعبدوا فيه البطش والقوة ، لعلهم يتقون شره . والإله ست جزء من أسطورة إيزيس و أوزوريريس .
هرم جرن الشعير :
هو هرم من مصطبة واحدة عرف باسم هرم نقادة عند علماء المصريات ، عرفه العامة باسم جرن الشعير . نسج حوله الأهالي المحيطون به الخرافات ، و القصص غير المنطقية منها أن رجلاً ميسوراً كان له جرن شعير ، وعندما به القطب (الرجل الصالح / الخضر) طلب منه قدراً من الشعير ، فنهره صاحب الجرن ولم يعطه ، فدعي عليه دعوة "سخطت " الجرن وحولته إلى حجارة .
كما نلحظ الكاتب كان محايداً فيما يتعلق بأسطورة الإله ست ، و خرافة جرن الشعير ، وأوردهما بشكل سردي بحت ناقلاً من مصادر أخرى أو من روايات سمعها من أشخاص خلال رحلة بحثه ، واللقاءات التي تمت مع الناس في كل قرية من قرى نقادة ، وإن كنت أعذره في حياده في تناوله للأسطورة ، فإني لا أعذره في تركه تحليل الخرافة السائدة حول هرم نقادة ،حيث تتوفر فيها مواصفات الخرافة حيث نسج البسطاء فكرة غير منطقية حول الهرم ، تطورت هذه الفكرة عبر السنين ، مما جعلهم يستهينون بهذا الأثر الهام ، ويستعيرون من أحجاره ويبنون بها بيوتهم وحظائرهم بشكل مثل تعدياً صارخاً ، في ظل غياب الوعي والمعرفة .
ثانياً : العصر القبطي
بير العين : تعرض الكاتب لبئر العين ،وهي بئر توجد بالقرب من عمارات السيول بجنوب صحراء حاجر دنفيق بنقادة ، و قيل أنها تفجرت لأحد الرهبان الذي هرب من بطش الرومان ، ليشرب ويعيش في هذه المنطقة القريبة من دير مار جرجس .
وقد تناول الكاتب هذه الخرافة بشيء من التحليل والنقد ، وفند كل الروايات والأفكار غير المنطقية ، والتي توارثها الناس عبر الأجيال ، فقد اعتقد البسطاء ، والنساء خاصة أن الماء من بئر العين له القدرة على الشفاء من العقم وبعض الأمراض الأخرى ، ما جعلهن يزرن البعض مصحوبات بطقوس وخرافات ، مثل الدوران حول البئر عدة مرات ورمي قطع الخبز والحلوى في الماء ، ثم النزول وغرف قدر من الماء في زجاجة تغتسل بها المرأة عند رجوعها للبيت . وعندما تحمل المرأة تعود مصحوبة بزفة من المزمار البلدي فرحاً بالشفاء من العقم ، وتحمل الذبائح والخبز لسكان المنطقة. يفند الباحث الخرافة المتعلقة بكون السيدة مريم ولدت ابنها – عيسى عليه السلام - عند البئر وان ثمة نخلة كانت بجوار البئر ولد السيد المسيح تحتها ، يبست أو قطعت من زمن بعيد .يتناول الكاتب هذه المسالة قائلاً: " أما حكاية مولد السيد المسيح عند نخلة بئر العين فإنها حكاية لا تعقل حيث يقول الحق في القرآن الكريم : (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) مريم الآية 16
فإذا افترضنا أن قوم السيدة مريم بصعيد مصر عل ضفاف النيل ، فإننا سنجد أن بئر العين تقع في اقصى الضفة الغربية لنهر النيل ، ولم تكن هناك حياة إلا على جانبي ضفتي نهر النيل ، والآية تشير إلى أن مريم اتجهت جهة المشرق وموقع بئر العين على عكس ذلك أقصى الضفة الغربية لنهر النيل ، هذا غير أن السيد المسيح وأمه في الأصل لم يتجاوزا أسيوط في رحلتهما في مصر .
قد عنى الكاتب بالرد على هذه الخرافة وقام بتفنيدها لاتصالها المباشر بمسائل عقائدية ، وأغفل الإطالة في أسطورة الإله ست للبعد الزمني لأحداث الأسطورة ، أو خرافة جرن الشعير لأنها تقدم موعظة وحكمة للعامة مفادها ، ضرورة الإنفاق على المحتاجين والفقراء من الغرباء والأهل على السواء .
ثالثاً : العصر الاسلامي
دفن الدارقطني المحدث بقرقطان :
أورد الكاتب قصة نسب قرية قرقطان - بقرية دنفيق بنقادة - إلى المحدث الشهيرالإمام أبوالحسن الدارقطني المنتسب إلى محلة قطن ببغداد العراق و المتوفي سنة 375 هـ ببغداد ، وقد تحدث الكاتب عن الامام ونشأته ووفاته بتفصيل غير ممل ، ثم تناول بالتحليل مسألة نسب القرية إلى الدارقطني ، حيث يُروى أن الدارقطني الإمام المحدث الجليل قدم إلى القرية ودفن بها ، ومازال مسجده الذي يحمل اسمه قائماً حتى اليوم وبالمسجد ضريح ينسب له ، يشكك الكاتب في الرواية ، ويذكر أن هناك قارباً نهرياً معلق في سقف قبة الضريح بمسجد الدارقطني بقرقطان ، ويروي الناس أن الإمام كان في أحد نواحي الصعيد ، ركبه وخرج به هارباً من بعض أعداءه ولكنه مات في الطريق فحمله القارب حتى رسى به عند قريتهم " ديرقطان " فوجده الأهالي وأخذوه ودفنوه ، هذه هي الرواية المتداولة بين الناس وتعتبر من المسلمات أو الحقائق في نظرهم .
يعرض الكاتب هذه الأفكار ، ويصفها بالوهم والخرافة ، مفنداً كل الآراء السائدة في المجتمع من حوله ، رغم خطورة مخالفة ما هو سائد بين الأهل ، حيث ينتمى كاتبنا لقرية قرقطان ، ويفسر مسألة القارب تفسيراً منطقياً ، حيث جرت العادة في جنوب مصر على تعليق مجسم لسفينة أو مركب أو قارب توضع أسفل قباب الأضرحة أو في أعلاها ، وهي موروث قديم ورثه المصريون عن المصريين القدماء "الفراعنة " ، حتى أن النصارى يصورون في كنائسهم صورة السفينة ، التي تمثل "سفينة النجاة والخلاص "للروح ، وقلما تخلو مقبرة أو معبد فرعوني من نقش للمراكب " السماوية " التي تقل الروح في رحلة العالم الآخر . وقد ألمح الكاتب إلى أن الأضرحة التي بقبابها سفن ومراكب ، يكون أصحابها في الغالب من أهل العلم وليسوا مشايخ عاديين أو أميين ، فوضع السفينة فيه رمزية إلى تبحر صاحب الضريح – أو المشهد – في العلم ، ولذا ترسو السفينة فوق " قبره / بحره" ، وهي موجودة بقبة الإمام الشافعي ، وقبة أبي الحجاج الأقصري ، وهناك تفسيرات أخرى أنها كانت وعاء لحمل الحبوب والغلال التي توضع للطيور ، أو أنها إشارة إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم حيث ورد تشبيههم في الحديث الشريف بالسفينة ، وإن كانت هذه السفن توضع في أضرحة أناس ليسوا من السادة الهاشميين الأشراف " أهل البيت . يخلص الكاتب في النهاية إلى ان الدارقطني المحدث لعله قد مر بالقرية وهو احتمال ضعيف جدا ، أو لعل الضريح لأحد العلماء " الديرقطانيين " القدامى ، مثل العالم "حجازي بن أحمد بن حجازي الديرقطاني " وكان عالما أديباً شاعراً يستحق وضع السفينة فوق ضريحه ، وبعد تطاول الزمن التبس الأمر على الناس ، وحدث الوهم والخرافة بأن صاحب الضريح هو الإمام المحدث أبوالحسن الدارقطني .
رغم أن الكتاب الذي أنجزه كاتبنا ، كتاب تاريخي توثيقي ، يوثق فيه لتاريخ نقادة المعاصر ، بعد أن يستعرض لتاريخ نقادة القديم والوسيط ، ويقدم صورة للمعالم التاريخية والأماكن والنابغين في مجالات العلم والفنون والمجال الاجتماعي ، رغم كل هذا لم يفته أن يقدم تحليلاً ونقداً للخرافات المنتشرة في المجتمع النقادي ، وفيما فعله جهداً مشكوراً ، يفتقده المجتمع الجنوبي بشده ، لوجود بعض العادات والخرافات والأمراض الاجتماعية التي بحاجة إلى جهود توعوية وثقافية مؤسسية . نحن هنا بصدد قراءة كتاب ممتع ، تطالعه فتشعر أنك تطالع رواية شديدة الإمتاع ، ولا تشعر أنك تقرأ كتاباً تاريخيًا توثيقياً ، ولن تعدم الاستمتاع بالعوالم الغرائبية الواقعية المعاصرة ، كما في سيرة الشيخ جاد الكريم العريان أشهر الزهاد بإقليم نقادة ، وهو العائش في حفرة منذ أكثر من خمسين عاماً عارياً تماماً إلا من خرقة تستر عورته ، بسيرة الشيخ العريان يختتم السير الذاتية للوجهاء ، والمشاهير والباكوات بنقادة ، لكنها سيرة ذاتية متميزة ومختلفة وباعثة على الاندهاش ، حيث يذكر فيها كرامات ومعجزات وأشياء تدعو القاريء على التفكير في هذه الشخصية العجيبة .
 
(1) الدعباسي ،أحمد - كتاب " إقليم نقادة – صـ 7

عن الكاتب

أحمد فرغل الدعباسي البكري

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري

2016