"المَريْس"
تتحدثُ عن نفسها !
(قراءة في كتاب: تاريخ قرية المريس)
قيل في المثل الشعبي
"إحسب حساب المريسي وإن جاك طيّاب من الله"، ويشرحه أحمد تيمور باشا –
في موسوعة الأمثال الشعبية – فيقول: "المريسي" نِسبة للمريس، بلدة جنوبي
القطر المصري، ويُراد بالمريسي أي الريح الجنوبية، لأنها تُعطل سير السفن وهي مُصعِدة
– متجهة للصعيد "الجنوب" – والطيّاب عندهم بعكسها، ويَقصِد المثل أنْ:
كُن حازماً في تسيير أمورك واستعد للطوارئ، فإن يسّر الله وسهّل فلا يضرك تيقظك.
كانت الفقرة
السابقة هي آخر فقرة في كتاب "تاريخ قرية المريس" للمؤلف الرائع صديقنا
المستشار أحمد عبد الباسط الحايق آل الأحمر ابن قرية المريس بمركز أرمنت بمحافظة
الأقصر بصعيد مصر، والذي ما إن طالعنا كتابه هذا إلا وأدهشنا وأعجبنا، وذلك من
روعة ما جاء فيه من درر وفرائد عن: (هذا) المريس ، أو عن: قرية المريس (هذه) ! .
تناول الأستاذ
الباحث أحمد الحايق تاريخ قريته منذ أقدم العصور حتى العصر القريب، معتمداً في
سرده على أقوى المراجع والمصادر التاريخية والجغرافية، لا سيما: الطالع السعيد
للإدفوي، ومعجم البلدان للحموي، وقوانين الدواوين للأسعد ابن مماتي، والتحفة
السنية لإبن الجيعان، والخطط المقريزية، وغيرهم.
اعتمد الحايق على
نقل كافة الآراء المتعددة حول الموضوع الواحد، ثم أخذ يُرجّح بينهم بأسلوب التحقيق
العلمي المُتّبع، دونما إتباعٍ لهوى أو تحيزٍ لأحد، وأوضح جليّاً أن مُسمّى
"المريس" هو مسمّى مصري قديم، وهو (ام ري سيه) وهي كلمة كانت تُطلق – في
عصور الفراعنة - على بلاد النوبة بشمالي السودان وجنوبي مصر وما صاقبها من نواحِ
الصعيد الأعلى، وأوضح أن قرية المريس الحالية تعتبر البوابة الشمالية لإقليم
المريس التاريخي، الذي ينتهي جنوباً عند الشلال الثالث.
ولم يَفُتْ صديقنا
الحاذق الحايق أن ينقل الروايات المحلية عند سكان قرية المريس الحالية، المتعلقة بأصولهم
المغاربية القديمة، ويُوضح أن كلمة المغاربية تعني كل بلدان المغرب العربي الحالية
بالإضافة إلى الفردوس الضائع "الأندلس". إذ أن غالبية أصول أهل المريس "مغاربية"
وخاصة "أندلسية". وبعيداً عن المغرب والمغاربة إذ بالمؤلف يأخذنا هنالك جهة
المشرق .. إلى حدائق بابل المعلقة، حيث استقر "فيروز" هذا الرجل المصري
الصعيدي المريسي ! ، هكذا نقل باحثنا الهمام عن المؤرخ ابن الكندي، ومن العجائب أن
يكون "نبوخذ نصر" – الذي حارب مصر ودمّر أورشليم "القدس" - هو
ابن فيروز المريسي هذا !.
وتأتي شدونبة أو
شطفنبة أو شطفنية فتحتل لُب الكتاب الذي لا تتجاوز صفحاته الخمسين صفحة، ويقول
المستشار أن الإمام شرف الدين ابن الجيعان ذكر مساحة شطفنية – وهي المريس – فقال
أنها 7234 فدان ما بين "نقا" و "خرس"، وأوضح باحثنا الرائع
معنى كلتا اللفظتين، وهذا مما يُحسب للمؤلف من تبسيطه المعلومة للقارئ العادي غير
المُتخصص.
وقد احتلت تراجم
الأعلام "الأعيان" نصف مساحة هذا "السفر المريسي" وبدأها
صاحبنا بالأمير حمد الجعفري أمير الطود - بالأقصر - وذَكر علاقته بالمريس، ثم ثنا
بتراجم بيت العلم المكين "آل مكي بن ياسين"، فتحدث عن "صدرهم"
و"قاضيهم" و"قطبهم" وأخيراً "نجمهم" الشيخ نجم
الدين أحمد بن محمد بن أبي الحزم مكي بن ياسين – المخزومي القرشي القمولي - ذو
الأصل الشطفنبي "المريسي" وقد عَمِل قاضياً لأخميم وأسيوط والمنيا
والشرقية والغربية وناب ووُلّي الحسبة بالقاهرة وتوفي بها في رجب سنة 727 هـ.
يُخبرنا صاحب
"تاريخ المريس" عن إرتباط قريته بأمراء المماليك، وكيف أن كثير من
أطيانها كانت إقطاعاً للأمير المملوكي يدي قرطقا بن سيسون أمير الطبلخانة، ثم صارت
للأمير يشبك الأشرفي الدوادار، حتى إنتهت أخيراً في عهد الأسرة العَلَوِيَّة –
أسرة محمد علي باشا – إلى أحد أمرائهم، وهو: (الأمير يوسف كمال البرنس) صاحب القصر
الفخم ذو الحديقة الخّلابة بقرية المريس، وهو صاحب الصورة الجميلة المُزيِّنة لظهر
غلاف الكتاب.
بقلم/ أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي
عضو اللجنة العلمية لبحوث التاريخ والأنساب
بالسجادة العنانية العمرية
مقال بصحيفة صوت الصعيد
الإثنين 7 ديسمبر 2015 م
لا توجد كلمه صحيحه فى هذا الكتاب ...غير الرحاله ابن الجيعان.. اتركوا التاريخ لأهله ايها الناس
ردحذف