-->
مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري
مدونة تُعنى بالتاريخ والتراث والأنساب، لصاحبها: أحمد بن عبد النبي آل فرغل الدعباسي البكري، من محافظة قنا - بصعيد مصر. رئيس لجنة تحقيق الأنساب بمشيخة السجادة البكرية الصديقية. له من المؤلفات: السلالة البكرية الصديقية (في جزأين) ط 2014، إقليم نقادة بصعيد مصر ط 2015، إزالة الالتباس عن نسب الشيخ عزاز ط 2016، كناشة الدعباسي ط 2017، التبيين فيمن وطئ أرض مصر من العمريين ط 2019
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

منطق الطير والحيوان: في التراث الشعبي لأهل صعيد مصر (تحقيق للدعباسي)

مَنطِق الطير والحيوان
(في التراث الشعبي لأهل صعيد مصر)
يتوهم كثير من الناس أنهم فقط أصحاب اللغة والمنطق دون بقية المخلوقات الأخرى، لا سيما الحيوانات والطيور الأعاجم، وما تم وصفهم بـ "الأعاجم" إلا لصعوبة تفسير أصواتهم وبيان حركاتهم وإيماءاتهم لبعضهم البعض، ولكن يخبرنا مولانا العلي العليم في سورة الأنعام – الآية 38 – أننا لسنا الأمة الوحيدة في هذا العالم، فيقول تبارك وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)، وطالما أن هناك أمم أخرى، إذن فلكل أمة منهم لغتها ومنطقها الخاص، وقد جاء أن نبي الله سليمان وأباه داود – عليهما السلام – قد آتاهما الله خيراً كثيراً، ومما آتاهم "معرفة لغة الطيور والحيوانات والجن وغيرهم"، وقد جاء في سورة النمل – الآية 16 – (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)، ولكن صرّحت الآيات الكريمات أن تلك الميزة هي خاصية خاصة بنبي الله سليمان لا تنبغي لأحدٍ من بعده، فيقول الحق الكريم في سورة ص – الآية 35 – على لسان سيدنا سليمان: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)، ولكن مما أثار إنتباهنا أن أهل صعيد مصر لا زالوا يُحادثون الطيور والحيوانات، خاصة المُستأنس منها، فقمنا بجمع قدر لا بأس به من تلك (المحاورات الطيورية الصعيدية)، وبعض من (نداءات الحيوان) بلسان أهل الصعيد، فلنستعرضها الآن:


أولاً الطيور:
أكثرَ الشعراءُ على مر العصور من مناجاة الطيور بأنواعها وخاصة الحمام، ومن عيون الشعر العربي قول الشاعر أبو فراس الحمداني مخاطباً إحدى "الحمائم":
أَقولُ وَقَد ناحَت بِقُربي حَمامَةٌ = أَيا جارَتا هَل تَشعُرينَ بِحالي
مَعاذَ الهَوى ماذُقتِ طارِقَةَ النَوى = وَلا خَطَرَت مِنكِ الهُمومُ بِبالِ
أَتَحمِلُ مَحزونَ الفُؤادِ قَوادِمٌ = عَلى غُصُنٍ نائي المَسافَةِ عالِ
أَيا جارَتا ما أَنصَفَ الدَهرُ بَينَنا = تَعالَي أُقاسِمكِ الهُمومَ تَعالَي
الطيور أو الطير "اللفظة الفصيحة" وهي جمع "طائر"، وينطقها أهل الصعيد بتخفيف وسكون حرف الياء هكذا (الطِّــيْــر)، ومن أشهر ما عرفوه من الطيور:
1-القِمرِيّة: وهي الأنثى، والذكر منها "قِمْري"، وهو نِسبة إلى "وادي القمري" وهو مكان بشرقي دلتا مصر، والقِمري نوع من الطيور أشبه ما يكون باليمام، ولأنثى القِمري صوت يوحي بأنّه نشيد، فَسّره العديد من الناس تفسيرات عِدّة، منها أنها تُحدِّث قِمريّة أخرى فتقول لها: (رُحت بيتكي، ما لقيتكي، لقيت جوزكي، يا فضيحتي)، و"جوزكي" تعني "زوجكي"، ومن عادة العرب إبدال الحروف كما هو معروف.
وعند ضياع صغارها هناك صوت لها يُفسّر على أنه دعاء على من قام بخطف صغارها، إذ تقول القِمريّة: (اللي خد سعيدة وسعيد .. ما يشوف يوم جديد) أي: يموت.
ويقوم ذكر القِمري أثناء موسم التزاوج بإصدار صوت "نداء" إلى أنثاه، كان تفسيره عند أهل الصعيد هكذا: (فينكي... يا حبيبتي)، فترد أنثاه وتقول: (فين بيت أبوك)، وهو تفسير يعكس مدى شاعرية هؤلاء القوم "المُفسّرون الصعايدة !".
2-الحمام: ويُطلق على صغاره "فراخ" أو "زغاليل"، وتقوم المرأة الصعيدية بنداء حمامتها الشاردة – مستعطفة إياها للعودة إلى عشّها – بقولها (تعا حميم .. تعا حميم) أو (تا حميم .. تا حميم)، فما تلبث أن تعود الحمامة "المُشتق منها كلمة : حميم" إلى عشّها، وعندما يهجم الحمام على "العجين" أو "الغلال" فتقوم المرأة بنهره زاعقة فيه بملء صوتها (حِـم) فيرعوي عن غيّه !.
3-الغراب: وهو مضرب الشؤم عبر العصور، من لدن ابن آدم – إذ علّمه الغراب كيف يواري سوءة أخيه - وحتى يومنا هذا، فعندما يُحلّق غراب فوق دار من دور الصعايدة، تقوم ربة المنزل بمخاطبته قائلة: (إن كان شَر خُده وإنْجَر ... وإن كان خير هاته طِير)، وتعني: لو كنت قادماً لمصيبة فارجع بها ولا تؤذنا، وإن كان لديك شيئ مُفرح – على غير العادة – فأحضره "طِير" أي طيراناً "بسرعة". وفي حال شاغب الغراب فلا سبيل إلّا ترديد كلمة (إعْ وِر) بصوتٍ عالٍ لكي يهرب.
4-الحدأة: وينطقها ويجمعها أهل الصعيد هكذا (الحِدّاية)، وهي مثار شؤم عندهم، ويطردونها بمخاطبتها بلفظة مشتقة من اسمها (حِدْ .. حِدْ) فتنصرف.
5-الزرزور: أو الظرظور "حسب النطق المحلي"، وهو شبيه بالطائر المعروف بإسم (الشحرور) في بلاد الشام، ويمتاز بصغر الحجم، وهو كثير الشغب في الحقول، ويصيح عليه الزُرّاع بقولهم (حااااح ... حااااح) فيهرب مبتعداً بأسرابه.
5-الجُعران: وهو من الحشرات التي عرفها المصريون القدماء وأكثروا من نقش صورها على جدران معابدهم، واسمه الفصيح (جُعل)، ولصبية الصعيد نداء لجذب "الجُعران" – أقصد جمع جعران "فلا أدري كيف يُجمع" ولعله يُجمع على "جعارين" – من فوق أشجار السُنط، فيقولون ويكررون: (طُوبْ الرِّيش)، ولعلهم يقصدون: ليتساقط ريشك أيها الجُعران !.
6-الفَرّوج: وتعني الدجاج، ويُطلق على الذكر من الدجاج "ديك"، أما الأنثى فتُدعى "فرّوجة" أو "عِتْقِيَّة" وهذا في حال كانت كبيرة السن ومُخصصة لإنتاج البيض، ولعل كلمة "فرّوج" مُشتقة من "الفراخ" ! ، المهم أن هذا "الفرّوج" هو أهم أنواع الطيور الداجنة عند أهل الصعيد، ويُقال لصِغاره "الكتاكيت" عند جمعهم للطعام كلمة تُنطق ولا يُعرف كيف تُكتب، وهي عبارة عن إصدار صوت "قرقرة" باللسان، أما عند مشاغبة تلك الطيور فيكون تفريقها بكلمة (هِشْ .. هِشْ).
7-المالطي: وهو تقريباً نوع من أنواع الديوك الرومية الشهيرة، ولعله دُعي بالمالطي نِسبة لجزيرة (مالطا) بالبحر الأبيض المتوسط، وهي القريبة من مدينة (روما) التي يُنسب لها "الديك الرومي!".
والمالطي طائر عنيد سريع الغضب، يقوم الصبيان بإستفزازه عن طريق اصدار صوت (تصفير)، مع تهييجه بالملابس ذات اللون الأحمر، ويُذكّرني هذا اللون بـ "مصارعة الثيران" وكيف أنه يُستثار باللون الأحمر مع كونه لا يستطيع التفرقة بين الألوان حسب رأي بعض الباحثين!.
8-البُح والشُرشَار: و"البُح" هو البط البلدي، أما "الشُرشار" فهو بط آخر أبيض اللون، ولهما نداء مُخصص لجمعهما وقت الطعام وهو: (تعا تييييت .. تعا تييييت).


ثانياً الحيوانات:
أكثرَ الشعراءُ على مر العصور من مخاطبة الحيوانات بأنواعها وخاصة الخيول، ومن عيون الشعر العربي عن الخيل ووصفه ومخاطبته، قول الشاعر – الصحابي - حسان بن ثابت الأنصاري:
عَدِمنا خَيلَنا إِن لَم تَرَوها = تُثيرُ النَقعَ مَوعِدُها كَداءُ
يُبارينَ الأَسِنَّةِ مُصعداتٍ = عَلى أَكتافِها الأَسَلُ الظِماءُ
تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ = تُلَاطمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِساءُ
أما الحيوانات التي عرفها أهل الصعيد وخاطبوها كأنّها تعقل وتسمع وتجيب، فمنها:
1-الحمار: ويُعرف الذكر منه بـ "الجحش"، والأنثى منه بـ "الجحشة" وفي حال تقدمت بها السِن تُدعى بـ "الحمارة" وكذلك تُدعى "أتان" في بعض الأحيان، وعند ركوب الحمار هناك نداءات ثلاثة لحثّه على السير، أولها: كلمة (شِي) ولعلها مشتقة من كلمة "امشي"، والثانية: (حااا)، أما الكلمة الأخيرة فهي كلمة تُنطق ولا تُكتب، وقد احتار في كتابتها الفنان المصري الكوميدي "إسماعيل ياسين" ومعه "الخواجا بيجو" في أحد أفلام السينما القديمة، وكانت من المشاهد المُضحكة المشهورة.
ويُقال لإيقاف الحمار "هُوووش" وهذا بخلاف ما يُقال للبقرة عند إيقافها (هاااش). أما صغير الحمار فيُنادى بكلمة (طُورّيش)، ولأن الحمار من فصيلة الخنازير المُتبلدة الأحاسيس، فإنه يُقال له في موسم التزاوج كلمة (زَررر).
2-الحصان: لإيقافه يُقال (هِس)، ولحثّه على الجري يُقال له (هااا)، أما عند شُرب الماء فيتم الاكتفاء بالـ "تصفير" له.
3-الجمل: وهو الذكر، أما الأنثى منه فهي "ناقة" أو "قاعود"، والصغير منه يُقال له "بَكْر" أو "بُع" للذكر، أما الأنثى فيُقال لها "بَكْرة" أو "بُعَّة"، ويُقال للجمل لحثّه على الشُرب (تِعْ .. تِعْ)، ولإناخة الجمل يُقال له (إخ) ولعلها مشتقة من "نِخ"، وعند الإنتهاء من تحميل المتاع فوقه يُقال له (صَلِّي) أو (قُوم) ليبدأ السير بعدها، وإن حدث زحام في الطريق فيُقال له (وَسِّع) فيقوم بالتنحية جانباً لعدم التضييق على بقية الركب.
4-البَقرة: ينطقها بعض أهل الصعيد "بُـقرة" بضم حرف الباء، ولكن الأكثرية ينطقونها بالفتح "بَقَرة"، والذكر منها "عِجل"، أما صغيرها فيُدلل باسم (عِجِّيل)، ويُقال للبقرة لحثّها على السير (حووو)، وعند إيقافها يُقال لها (هاااش) وذلك بخلاف ما يُقال للحمار عند إيقافه (هوووش).
أما عند شُرب الماء فيُقال للبقرة (بو هِد) مع التصفير، ولعل كلمة (بو هِد) هي الكلمة الإنجليزية (Bow Head) وتعني: (اخفض الرأس)، ويبدو أنها كلمة دخيلة عليهم وتم استخدامها من قِبل المستعمر الإنجليزي حتى تم تداولها وكأنّها كلمة متوارثة منذ عهود الفراعنة أو على الأقل حدث الظن أنها من الكلمات العربية، ولا أدري كيف دخَلَت ووَصَلت تلك الكلمة الإنجليزية الأعجمية إلى دقائق أمورنا الحياتية وأصبحت ضمن تراثنا ؟!.
وعند استخدام البقرة في المحراث اليدوي (البَقّاري) فيُقال لها (إرجع) حتى ترجع للخلف، ويُقال لها (أنقُل) للإنتقال إلى موضع آخر غير محروث من الأرض. وأخيراً عند التزاوج فيُقال للعجل (تِرّب).
5-الجاموس: ويُدعى الصغير منه (بَطْش) وهو الذكر، وتُدعى الأنثى منه (شَــبّــة)، ولحثّه على السير يُقال (حووو) ويُقال له كذلك (إقْ عَد)، وعند إيقافه وتهدئته يُقال له (دُو~). 
وعند شُرب الماء يُقال له (بو هِد) أو (بو هِج) مع التصفير، ولعل كلمة (بو هِد) هي الكلمة الإنجليزية (Bow Head) وتعني: (اخفض الرأس)، ويبدو أنها كلمة دخيلة عليهم وتم استخدامها من قِبل المستعمر الإنجليزي حتى تم تداولها وكأنّها كلمة متوارثة منذ عهود الفراعنة أو على الأقل حدث الظن أنها من الكلمات العربية، ولا أدري كيف دخَلَت ووَصَلت تلك الكلمة الإنجليزية الأعجمية إلى دقائق أمورنا الحياتية وأصبحت ضمن تراثنا ؟!.
6-القطة: وتُسمّى عند أهل الصعيد بالـ (بِسّة)، وتُجمع على (بِسس) أو (إب سَسْ)، وعند طردها يُقال لها (بِس)، ولعل مرد ذلك لكون أحد معبودات المصريون القدماء "الفراعنة" واسمه (بِس) كان على هيئة (قطة).. بِسَّة !.
7-النعجة: وهي أنثى الخروف أو الكبش، والصغير منها اسمه (الحمل) ولكن يُسمّيه أهل الصعيد "رَمِيس" للذكر و"رَميسَة" للأنثى، وتُصغّر أكثر فيُقال (رِمِّيس) و(رِمّيسَة)، ولحثّها على السير يُقال لها (هِر يا) أو (هِـ ري)، ولعل تلك اللفظة (هِـ ري) مُشتقة من الكلمة الإنجليزية (Hurry) التي تعني (اسرِع في السير)، ويبدو جليّاً أنها كلمة دخيلة عليهم وتم استخدامها من قِبل المستعمر الإنجليزي حتى تم تداولها وكأنّها كلمة متوارثة منذ عهود الفراعنة أو على الأقل حدث الظن أنها من الكلمات العربية، ولا أدري كيف دخَلَت ووَصَلت تلك الكلمة الإنجليزية الأعجمية إلى دقائق أمورنا الحياتية وأصبحت ضمن تراثنا ؟!.
8-الماعز: أو العنزة، وهي أنثى الجدي، ويُقال للصغير منها "رِبْعِيّة" أو "سَخلة" وتُصغّر أكثر فيُقال (سِخّيل)، ولحثّها على السير يُقال لها (سِكْ) أو (حِيْ).
9-الكلب: وهو المشهور بالوفاء، يُقال عند محاولة الإمساك به (كِيييش .. كِيييش) مع الإشارة له باليد، أما عند إبعاده فيُقال له (جِر~) ولعل تلك اللفظة مُشتقة من اسم صغير الكلب (الجرو) !.
10-أبو الحصين: وهو الثعلب الماكر المكّار النبيه الحَصِين!، وعند رؤيته يخاطبه أهل الصعيد خطاب عجيب!، فيقولون له: (وَلِّع يا قاضي) وهو بمثابة تنبيه له أن يهرب قبل أن يُمسَك به، وهذا طبعاً لا ينبغي قوله أو فعله عند رؤية (الذئب)، وإنما فقط نكتفي بالـ (فكاك) والهروب من وجهه.. وكما يُقال (الجَري نُص الجدعنة)، حفظنا الله وإياكم من كل سوء.

بحث وتحقيق وإعداد: أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي
عضو اللجنة العلمية لبحوث التاريخ والأنساب بالسجادة العنانية العمرية
الجمعة 25 ديسمبر 2015 م

عن الكاتب

أحمد فرغل الدعباسي البكري

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري

2016