قطوف من كناشة الدعباسي
إطلالة
على لهجات العرب في مصر والصعيد
قال
الله تعالى: يسـم الله الرحمن الرحيم ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2] ، فالحمد لله أن أنعم علينا بالإسلام , وأن أكرم ألسنتنا
بأن نطقت بالعربية "لغة القرآن الكريم" ، والحمد لله أن شرّف نسبنا
فجعلنا من الأمة العربية , أمة وقوم النبي محمد خير الآنام ؛ صلى الله عليه وآله
وسلم.
إن
أول من تحدث باللغة العربية المبينة جد العرب: الذبيح ، إسماعيل بن الخليل إبراهيم
عليهما السلام , فقد قال النبي الله صلى الله عليه وسلم: (( أوَّلُ من فُتِقَ
لسانُه بالعربيَّةِ المُبينَةِ إسماعيلُ وهوَ ابنُ أربعَ عشرةَ سنةً )). من
"الجامع الصغير للسيوطي".
تحدثت
الأمة العربية باللغة العربية , بلهجات شتى , حتى قيّض الله لقريش أن جمعها
"قصي بن كلاب" وهو الجد الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأسكنها أبطح
مكة , فمكّنها تجاورها من الحرم أن تطّلع على كافة لهجات قبائل العرب , وتنتقي من
كلامهم أحسنه , وأجمله ، حتى أضحت (لهجة قريش) هي أفضل وأفصح وأجمل وأبهى لهجات
العرب قاطبة , وبها نزل القرآن الكريم.
وقد
قيل عن فصاحة قريش أنها: ارتفعت في الفصاحة عن عنعنة تميم ، وكشكشة ربيعة ، وكسكسة
هوازن ، وتضجع – أو تضجيع - قيس ، وعجرفية ضبّة ، وتلتلة بهراء.
قدمت
لمصر قبائل عربية كثيرة , من اليمن ، ومن الحجاز. من نجد ، ومن العراق. من الشام ،
ومن المغرب. في هجرات متتالية ؛ وعلى فترات. ونقلت كل قبيلة معها لهجتها , والتي
ربما تكون تغيّرت قبل وصولها لمصر عمّا كانت عليه إبان عصور الجاهلية. فتداخلت
اللهجات مع تداخل القبائل , وشكّلت منظومة جميلة ورائعة للغة العربية ؛ ومن شتى
اللهجات العربية , فحقاً مصر هي بوتقة العرب والعروبة.
فإليكم
قائمة بأشهر اللهجات العربية في مصر وغيرها ، لتمام الفائدة:
1- طمطمانية حمير([1]):
وهي العجمة في الكلام , مثل قول قوم حمير حينما قدموا على رسول الله – صلى الله
عليه وسلم - فقالوا له: هل من امبر امصيام في ام سفر ؟ ويعنون: هل من البر الصيام
في السفر ؟ . فردّ عليهم رسول الله بمثل قولهم: (( ليس منَ امبِرِّ امصيامُ في
امسفَرِ )).
وقد
علّق الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) في "الكفاية في علم الرواية" على هذا
فقال: وهذا لغة الأشعريين , يقلبون اللام ميماً , فيقولون: رأينا أولئك امرجال , يريدون
الرجال , ومررنا بامقوم , أي بالقوم , وهى لغة مستفيضة إلى الآن باليمن , وفي الحديث
أن أبا هريرة , قال: يوم الدار – يقصد يوم حصار عثمان بن عفان - طاب امضرب , يريد طاب
الضرب.
وحكى
الأصمعي أن معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما - قال يوماً في مجلسه: من أفصحُ الناس؟
فقامَ رجل فقال: قوم تَيامَنُوا عن طُمْطُمانِيَّةِ حِمْيَر ، وتَياسَروا عن كَسْكَسَةِ
بكر ، وليس فيهم غَمْغَمة قُضاعة. وفي رواية: قال هم قوم تباعدوا عَن عنعنة تَمِيم
، وتلتلة بهراء ، وكشكشة ربيعَة ، وكسكسة بكر ، لَيْسَ فيهم غمغمة قضاعة وَلَا طمطمانية
حمير.
فقال
معاوية: من هم؟ قال: قومُك قريش. قال: صدقت، فممَّن أنت؟ قال: من جَرْم. قال: جَرْمٌ
أفصحُ الناس.
ومن
أمثلة لهجة طمطمانية حمير اليوم في مصر, كلمة: امبارح = البارحة ، امبابة =
الباب.
والطمطمانية منتشرة في بعض الأشعريين وبعض طيء.
2- عنعنة تميم وأسد ، وبعض قيس وقضاعة([2]):
وهي إبدال الألف عين , مثل أن نقول: عنك = أنك , عسلم = أسلم ، عحبك = أحبك. ويقولون: (أشهد
عنك رسول الله) أي: أشهد أنك رسول الله.
3- فحفحة هذيل([3]):
والفحفحة هي قلب الهاء عين , مثل قراءة سيدنا عبد الله بن مسعود الهذلي لآية (حتى
حين) هكذا (عتى حين). و عان الموعد = حان الموعد ، و عال العول = حال الحول.
4- عجعجة قضاعة وتميم([4]):
وهي إلحاق الجيم بآخر الكلمة , مثل: التميمج = التميمي , كوفج = كوفي. وأيضاً هي إبدال الياء المتطرفة بعد عين جيماً ، نحو: الساعج خرج معج.
وقد قال شاعر من بني تميم:
ولا أكُولُ لِكدرِ الكَوم قَدْ نضجت ... ولا أكولُ لبابِ
الدَّار مَكْفولُ
5- استنطاء هذيل وسعد بن بكر والأنصار([5]):
وهي جعل العين نوناً إذا جاورت طاء , مثل: أنطيناك = أعطيناك ، أنطيتك = أعطيتك.
وروى
أحد الناطقين بهذه اللهجة حديث رسول الله هكذا: (اللهم لا مانع لما أنطيت ، ولا
منطي لما منعت).
7- وَتم أهل اليمن وقضاعة أو تمتمة
تميم([7]):
والوتم هو قلب السين تاء وكذلك التمتمة , مثل قولهم: النات = الناس ، أكيات =
أكياس.
وقيل:
الوتم في لغة اليمن هو جعل الكاف شيناً مطلقاً ، كلبيش اللهم لبيش.
ومنه
قراءتهم للقرآن: (قل أعوذ برب النات(. وكذلك قول الشاعر
"علباء بن أرقم":
أَلاَ لَحَى اللَّهُ بَنِي السَّعْلاَةِ ... عَمْرِو بنِ
يَرْبُوعَ لِئَامَ النَّاتِ
ليسوا أعِفَّاء ولا أكيات
8- كشكشة قيس وربيعة وتميم وأسد([8]):
هي إضافة حرف الشين لحرف الكاف , مثل قولهم: ياكش = إياك ، مررت بكش = مررت بك ,
منش = منك.
ومن
هذه اللهجة أيضاً قرآتهم لهذه الاية: ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ [مريم:
24] ، هكذا: (قد جعل ربش تحتش سريا).
9- كسكسة بني بكر بن وائل وهوازن([9]):
وهي إضافة حرف السين لحرف الكاف , مثل قولهم: أقولكس = أقولك ، أعطيتكس = أعطيتك ،
منكس = منك ، عنكس = عنك.
10- قطيعة – أو قطعة - طيء([10]):
وهي بتر آخر حرف من الكلمة , مثل: يا أبا الحكا = يا أبا الحكم ، محم = محمد , أحم
= أحمد , ونجد هذه اللهجة موجودة بالإسكندرية خاصة
.
12- شنشنة تغلب وأهل اليمن([12]):
وهي إبدال الكاف شين , مثل قولهم: لبيش اللهم لبيش = لبيك اللهم لبيك .
قال ابن سيده: وعجرفية ضبة: أراها تقعرهم في الكلام. وأصل
العَجْرَفة رُكُوبُك الأمرَ من غير رَوِيَّة.
14- غمغمة قضاعة([14]):
الغمغمة هو الكلام الغير مفهوم , وكانت بعض قبائل قضاعة تشتهر بهذا. ومازال أهل
مصر يقولون لمن لم يتضح كلامه: (ما هذه الغمغمة؟).
([1]) الكفاية في علم الرواية ط المكتبة العلمية صـ
183 ، مسند الشافعي ط العلمية صـ 157 ، تهذيب اللغة ط إحياء التراث 15/ 448 ، تاج
العروس من جواهر القاموس للزبيدي 33/ 472 ، تاريخ آداب العرب للرافعي ط الكتاب
العربي 1/ 96 ، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان لسبط ابن الجوزي ط الرسالة 8/ 64 ،
الكامل في اللغة والأدب للمبرد ط الفكر العربي 2/ 165 ، العقد الفريد لابن عبد ربه
ط العلمية 3/ 274 ، ربيع الأبرار ونصوص الأخيار للزمخشري ط الأعلمي 5/ 225 ، درة الغواص
في أوهام الخواص للحريري ط مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت صـ 224 ، المفصل في تاريخ
العرب قبل الإسلام لجواد علي ط دار الساقي 16/ 210
([8]) تفسير القرطبي ط دار الكتب المصرية 1/ 45 ، ،
النهاية في غريب الحديث والآثر لابن الأثير ط المكتبة العلمية 4/ 176 ، لسان العرب
لابن منظور ط صادر 6/ 342 ، سر صناعة الإعراب لابن جنى الموصلي ط العلمية 1/ 242 ،
درة الغواص في أوهام الخواص للحريري ط مؤسسة الكتب الثقافية صـ 224-225 ، المفصل
في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي ط دار الساقي 16/ 264
([14]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي ط
دار الساقي 16/ 207 ، درة الغواص في أوهام الخواص للحريري ط مؤسسة الكتب الثقافية
صـ 225 ، النهاية في غريب الحديث والآثر لابن الأثير ط المكتبة العلمية 3/ 388 ،
لسان العرب لابن منظور ط صادر 12/ 444 ، تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي ط
دار الهداية 33/ 184