من معالم حدود البلاد : (الشجرتين بالعريش والسدرة
بليبيا والجميزة بنقادة)
بينما
كنتُ أطالع أحد كتب جغرافيا البلدان؛ مررت على ذكر (الشجرتين)، اللتان عندهما حد
مصر الشمالي الشرقي، الفاصل بينها وبين بلاد الشام. والذي أتى على ذكره العديد من
الجغرافيين والمؤرخين والرحالة، ويقع مكان الشجرتين بين رفح والعريش.
وحينها
تذكرت موقفاً حزيناً وقع معي، منذ بضع سنين، عندما كنتُ في ندوة ثقافية للاحتفاء
بصدور كتابي الثاني المسمّى: (إقليم نقادة بصعيد مصر) سنة 2015 م، وهو كتاب تاريخي
جغرافي، وصفتُ فيه حدود بلادي، طبقاً للنظام الإداري المعمول به، ثم أردفت ذلك
بذكر تعريف آخر للحد الجنوبي لإقليم نقادة [بمحافظة قنا بمصر]، عند السكان
المحليين، حيث توجد عند ذلك الحد (شجرة جميز) عتيقة، جعلها الناس علامة فاصلة بين
مركز نقادة وبين المركز المجاور. ففوجئت برجل كنت أجلّه للغاية: يسخر مني بطريقة
شديدة، ويهزأ من ذِكري للشجرة كعلامة لحد بلادي. رغم أني ما ذكرتها إلا زيادة على
الحد الإداري الرسمي. ولصدمتي لم أرد عليه أو أناقشه، فقد بان مكنون ضميره، يغفر
الله له.
ولكن
يُسعدني اليوم أن أهدي إليه هذه النماذج؛ من كتابات (العلماء الأكابر)، عن حد مصر
(أم الدنيا)، والذي جعلوه جميعاً يبدأ بالشجرتين في الشمال الشرقي على حدود بلاد
الشام، وينتهي عند السدرة (شجرة السدر) بالشمالي الغربي على حدود بلاد برقة
[ليبيا]، وأما جنوباً فآخره الجندل (الشلال) الأول على حدود بلاد النوبة:-
*
عبد الرحمن ابن الحكم (ت 257 هـ) في "فتوح مصر والمغرب"، والمقريزي (ت
845 هـ) في "المواعظ والاعتبار"، وجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) في
"حسن المحاضرة": (فبمصر بن بيصر سميت مصر مصرا، فحاز "له
ولولده" ما بين الشجرتين خلف العريش إلى أسوان طولا، ومن برقة إلى أيلة
عرضا).
*
اليعقوبي (ت بعد 292 هـ) في "البلدان": (ثم إلى رفح وهي آخر أعمال
الشام. ثم إلى موضع يقال له الشجرتين وهي أول حد مصر ثم إلى العريش وهي أول
مسالح مصر وأعمالها).
*
ياقوت الحموي (ت 626 هـ) في "معجم البلدان"، والمهلبي العزيزي (ت 380
هـ) في "المسالك والممالك": (ومن العريش إلى بئري أبي إسحاق ستة أميال،
وهما بئران عظيمتان ترد عليهما القوافل وعندهما أخصاص فيها باعة، ومنها إلى الشجرتين
وهي أول أعمال الشام ستة أميال).
*
ابن فضل الله العمري (ت 749 هـ) في "مسالك الأبصار"، والقلقشندي (ت 821
هـ) في "قلائد الجمان"، والمقريزي (ت 845 هـ) في "البيان
والإعراب": (ومنازلهم من سوسة [ببلاد برقة] إلى بئر السدرة، وهي آخر
حدود الديار المصرية، ومسافتها عن الإسكندرية نحو شهر بسير القوافل).
*
القلقشندي (ت 821 هـ) في "صبح الأعشى": (واعلم أن جميع المحدّدين لها
وإن اختلفت عباراتهم في ابتداء الحدّ الشّمالي الفاصل بين مصر وبين الشام، هل هو
من العريش أو من رفح، أو بين الزعقة ورفح، متفقون على أن ابتداء الحدّ حيث الشجرتان،
وكأنهما شجرتان قديمتان حدّد في الأصل بهما. قال في «التعريف»: وما إخال
الآن بقاء الشجرتين، وإنما هو موضع الشجرة التي تعلّق فيها العوامّ الخرق،
ويقولون هذه مفاتيح الرمل عند الكثب المجنبة عن البحر الروميّ قريبا من الزّعقة. قال:
فأما الأشجار التي بالمكان المعروف الآن بالخرّوبة، ويعرف قديما بالعشّ، فهي وإن
عظمت محدثة من زمن من حدّد الأقاليم، وليست في موضع ما ذكروه).
*
ابن تغري بردي (ت 874 هـ) في "النجوم الزاهرة": (وطولها من الشجرتين
اللتين ما بين رفح والعريش إلى مدينة أسوان من صعيد مصر الأعلى؛ وعرضها من آيلة
إلى برقة).
وكتبه:
أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي
يوم
الثلاثاء 2 يونيو 2020 م.