-->
مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري
مدونة تُعنى بالتاريخ والتراث والأنساب، لصاحبها: أحمد بن عبد النبي آل فرغل الدعباسي البكري، من محافظة قنا - بصعيد مصر. رئيس لجنة تحقيق الأنساب بمشيخة السجادة البكرية الصديقية. له من المؤلفات: السلالة البكرية الصديقية (في جزأين) ط 2014، إقليم نقادة بصعيد مصر ط 2015، إزالة الالتباس عن نسب الشيخ عزاز ط 2016، كناشة الدعباسي ط 2017، التبيين فيمن وطئ أرض مصر من العمريين ط 2019
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

جلاء الظنون عن حقيقة الأمير غانم دفين أصفون (بالوثائق والأدلة)


جلاء الظنون عن حقيقة الأمير غانم دفين أصفون (بالوثائق والأدلة)

بسم الله ، والحمد لله ، وصلى الله على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وصحبه الكرام ، وبعد : قلنا ولا زلنا نقول أن ( آفة العوام : التعلق بمشاهير الآنام ) ، حينما يتفشى الجهل ويَفتي من شاء بما يشاء ، وينظر الناس هنا وهناك فيتعلقون بأول ما يجدونه !

قرية أصفون المطاعنة بمركز إسنا بمحافظة الأقصر بصعيد مصر قرية كغيرها من قرى الصعيد ، ولكنها ليست كغيرها في نفس الآن ! ، إذ امتازت عنهم بكونها قرية كالمدينة ، جامعة مكتنفة لكل نعمة وفضيلة ، لا يشبهها في هذا سوى عدد ضئيل من القرى بصعيد مصر ، قرى اهتمت بالعلم حتى أضحت قبلة لكل عالم ، ومحط رحل لكل عظيم كريم .

يقام بهذه القرية في النصف من شهر شعبان المكرم ، مولد سنوي اسمه (نصف الأمير) ، أي احتفالية بذكرى مولد (الأمير) الذي يقام في ليلة النصف من شعبان ، وفي الصعيد ( أنصاف شعبانية ) أخرى ، منها مثلاً: (نصف العزب) وهو مولد الشيخ أحمد العزب اليافعي الحسيني بقرية نجع البركة بالغربي قمولا بمحافظة الأقصر . يُحيي تلك الليالي أهالي البلدة ، ومريدي الشيخ (صاحب النصف) وأتباع بعض الطرق الصوفية، ويقرون الضيوف ويجرون الخيول في "مرماح" طويل، ويلعبون "التحطيب" بالعصى والشوم، ويحتفل ويلهوا فيه الأطفال ويتشرون ما لذ وطاب .. في ليلة يصفها الكثير من أهل العلم الشرعي بأن ما يحدث فيها إنما هو احتفال مبتدع مذموم تمتلئ بالمخالفات الشرعية الواضحة ، نسأل الله صلاح الحال وحفظ البلاد والعباد من البلايا والآفات.

نعود إلى الأمير صاحب النصف وصاحب المقام والضريح ببلدة أصفون ، الذي يعرفه أهل بلدته باسم ولقب ونسب (الأمير غانم بن عياض الأشعري) ، كأمر بديهي متوارث عندهم عن الآباء والأجداد ، وإن كان هذا الأمير لم يرد ذكره في أي مصدر تاريخي قط ! ، وإن سألتهم عن شخصه وحياته قالوا أنه الصحابي الجليل غانم بن عياض الأشعري ، فاتح مصر والشام الذي ذكره الواقدي في مغازيه!

عدنا إلى المظان التاريخية وكتب التراجم والسير والمغازي ، ولا سيما كتب المغازي لأبي عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، الواقدي (المتوفى سنة 207 هـ)، وخاصة كتابه (فتوح الشام) فوجدنا فيه الأتي مختصراً: ( الأمير عياض بن غانم الأشعري ، المشارك في فتح البهنسا زمن الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه) ، وقد روى الواقدي شعر له قاله يوم معركة البهنساء، منه:

إني إذا انتسب الفوارس أشعري. ... قرم همام في المعامع عنتزي.

بحماة ابطال الاعادي نزدري. ... وبراحتي من القواضب أبتري.

يوم التلاطم للفوارس مسكر. ... وأحوم حومات الغزال الجؤذري.

فلأقتلن فوارسا وعوابسا. ... وأذيقهم مني العذاب الأكبر.

وهنا يبدوا جليا أن اسمه (الأمير عياض بن غانم) وليس (الأمير غانم بن عياض) ، وقد بحثنا في المئات من المصادر التاريخية الأخرى عن ذكر له فلم نجد ! فهو ليس صحابياً وليس من التابعين أيضاً ، فلم نجد ذكره في تراجم الصحابة ولا تراجم التابعين ! ، إنما فقط هناك (عياض بن غنم بن شداد الفهري) صاحب فتوحات الجزيرة الفراتية ! ، وهنا نجد أن المصدر الوحيد الذي ذكر فيه شخص باسم (الأمير عياض بن غانم الأشعري) هو كتاب "فتوحات الشام" للواقدي ، الذي تُعد سيره ومغازيه من جملة فنون الأساطير والخرافات لما فيها من مبالغات وأغاليط لا حصر لها ، وعلى كل الأحوال فهو يتحدث عن شخص باسم "عياض بن غانم" وليس "غانم بن عياض"، وهذا الرجل من أهل القرن الهجري الأول ، وشهد فتح البهنسا ، ودفن في "البرلس" بمحافظة كفر الشيخ حالياً بشمالي دلتا مصر ، وليس بقرية أصفون بصعيد مصر !

وعندما رجعت أيضاً إلى المرجع الصعيدي الأول في تاريخ وأعلام الصعيد (كتاب الطالع السعيد الجامع تراجم أعيان وعلماء الصعيد) للإمام كمال الدين أبي الفضل جعفر بن ثعلب الإدفوي (المتوفى سنة 748 هـ) بحثتُ عن ذكر للأمير غانم بأصفون ، ولكن لم أجد ! ، وعند عِلمنا أن الإدفوي كان يستقصي كل أخبار وآثار ومعالم جنوب الصعيد ، فإننا عندها نكاد نجزم أنه لم يكن هناك ثمة ضريح أو شخص بذلك الإسم (الأمير غانم) في عصر الإمام الإدفوي "القرن الثامن الهجري" وما قبله ، وبهذا يكون قطعاً الأمير غانم الأصفوني شخص آخر غير الأمير عياض بن غانم الأشعري – المدفون بالبرلس – لأن الأمير عياض بن غانم كان من أهل القرن الأول الهجري، بينما الأمير غانم الأصفوني ثبت – بما أورده الإدفوي – أنه لم يكن قد وُلد بعد في القرن الثامن الهجري وإنما ولد بعد بقرن على الأقل ، ويكون الفاصل الزمني بينه وبين الأمير عياض بن غانم دفين البرلس قرابة 850 عام !

بعد هذا نظرنا في جرائد ومشجرات الأنساب الأهلية لعلنا نجد شيء عنه ، فوجدنا أنه بالفعل هناك شخص بإسم (الأمير غانم) نزل بمنطقة اسمها "خور البرعام" بأصفون المطاعنة بمركز إسنا ، وكان بصحبته جملة من العربان من قبائل الأنصار ، وأنه كان أميراً عليهم "أمير قبيلة" ، وكان ذلك في أواخر القرن التاسع الهجري ، أي بعد وفاة "الأمير عياض بن غانم الأشعري دفين البرلس" بأكثر من 850 عام كما أسلفنا !


صورة رقم 1

*من مخطوط البراطيم في أنساب الأشراف والعربان والأنصار : وفيه (نذكر بيوت الأنصار ، ومنهم الأمير غانم الأشعري بأًصفون ) .

***

وفي مشجرات أهلي آخر ورد أنه قرشي النسب ، وبمشجر آخر ورد أنه هاشمي جعفري النسب ، ولكن الأرجح أنه من الأنصار ، لقوة المشجر المصرح فيه بذلك النسب عن بقية المشجرات الأخرى الوارد فيها خلافه.


                                     صورة رقم 2

*من مشجر أهلي خاص بأنساب الأشراف والعربان ، به كثير من الأغاليط ، ومنها أن الأمير غانم هو ابن محمد بن مطاوع القصاصي ، من أجداد عرب المطاعنة ، وهو أمر غير صحيح ، تدحضه أدلة أخرى كثيرة لا مجال هنا لذكرها .

***

واليوم : لا نجد في قرية أصفون المطاعنة من ينتسب إلى الأمير غانم، بينما الأمير عياض بن غانم الأشعري دفين البرلس له ذرية كثيرة ، يحفظون أنسابهم إليه ويفتخرون بها ، وقد وردت أنسابهم في أكثر من مرجع ، ومنها :

صورة رقم 3

*من كتاب إقليم البحيرة ، للكاتب المعاصر: محمد محمود زيتون: وعُرض فيه (مخطوط نسب لذرية الأمير عياض بن غانم الأشعري دفين البرلس، وبيان بمواطن سكنى أحفاده بمحافظة البحيرة بدلتا مصر) .

***

صورة رقم 4

*صورة من أصل مشجر نسب الأمير غانم "مدونة الأمير غانم"، ويظهر فيها اسمه (الأمير غانم بن عياض الأشعري) مع مخالفة هذا لقول الواقدي من أنه (عياض بن غانم) ومع نقل هذا المشجر قول الواقدي في مشاركة الأمير في فتح البهنساء الغراء .. وهو تناقض واضح !

ولا يفوتني التنويه عن وجود العديد من الأسر في مصر، تنتسب لأجداد لهم باسم (الأمير غانم) ، ولكل منهم نسب مختلف عن الآخر ، ولكن الجامع المشترك بينهم هو تشابه الإسم ، مع تفشي رواية واحدة بين عوام تلك الأسر تقول بأن جدهم ذاك هو نفسه الأمير (عياض بن غانم الأشعري) المذكور في مغازي الواقدي ،رغم كونه من أهل القرن الأول الهجري ، بينما أجداد تلك الأسر من قرون متأخره عنه ، ولذا وجب البيان من أن الأمير غانم دفين أصفون هو أحد هؤلاء الأمراء المشهورين باسم (غانم) ، والذين ظن وتوهم أحفادهم وأبناء بلدتهم أنه الأمير عياض بن غانم الأشعري دفين البرلس ، وظنوا أنه من الصحابة أو التابعين ، وهو لم يكن كذلك.

وأما نسب الأمير غانم الأصفوني المشهور منذ ثلاثة قرون بـ (الأمير غانم بن عياض الأشعري) فأقوى الأدلة تشير إلى كونه من الأنصار من نسل (الإنام مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة) طبقاً لما جاء في بعض المشجرات، وإن كان الإمام مالك مدنياً وليس أنصارياً ، فهو من ذي أصبح احدى قبائل حمير باليمن ، انتقل جده إلى المدينة المنورة وسكن بها فأصبح من جملة (المدنيين) ، وكالعادة حدث الوهم نتيجة الجهل ، وقيل أنه من الأنصار لأنه كان يسكن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم !


اعداد الباحث :
أحمد عبد النبي فرغل الدعباسي البكري
عضو اللجنة العلمية لبحوث التاريخ والأنساب بالسجادة العنانية العمرية .

يوم السبت 14 شعبان 1437 هـ / الموافق 21 مايو 2016 م

عن الكاتب

أحمد فرغل الدعباسي البكري

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري

2016