-->
مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري
مدونة تُعنى بالتاريخ والتراث والأنساب، لصاحبها: أحمد بن عبد النبي آل فرغل الدعباسي البكري، من محافظة قنا - بصعيد مصر. رئيس لجنة تحقيق الأنساب بمشيخة السجادة البكرية الصديقية. له من المؤلفات: السلالة البكرية الصديقية (في جزأين) ط 2014، إقليم نقادة بصعيد مصر ط 2015، إزالة الالتباس عن نسب الشيخ عزاز ط 2016، كناشة الدعباسي ط 2017، التبيين فيمن وطئ أرض مصر من العمريين ط 2019
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

كلمة الباحث الدعباسي (عن مركز نقادة) بندوة الحفاظ على عمارة البلد



عمارة البلد | هُوِيَّة لا تستحق الهدم
حملة ولاد البلد للحفاظ على التراث المعماري
مركز نقادة – محافظة قنا
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الإخوة الأفاضل الحضور : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أرحب بداية بالسادة الضيوف ، فأهلاً ومرحباً بكم في مركز نقادة .
ثم أثني بالشكر للسادة أصحاب هذا المكان ، أهالي قرية الخطارة الكرام ، والإخوة القائمين على هذا التجمع المبارك ، وبعد :
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الروم: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فانظر رعاك الله كيف ارتبط الإنسان والإيمان بالإعمار والعُمران ؟! فالإنسان خليفة الله في أرضه، خلقه ليعمرها ويصلح فيها ولا يفسد ، ولا يهدم ولا يخرّب !
وقد ترك لنا من سبقنا من المصريين الذي سكنوا ربوع بلاد النيل، آثاراً كثيرة ، بل تركوا لنا أكثر آثار العالم ، ثلثي آثار العالم .. أو يزيد ؟! تركها أسلافنا لنا ، فصرنا نفاخر بها الأمم شرقاً وغرباً ، بأننا بلاد وبناة الأهرام ، والمعابد ، والمسلات ، وبلاد أقدم أديرة الأرض ، وبلاد الألف مآذنة .. بل بلاد الألف ألف مأذنة !
نقادة ، أو (نقاء ده) كما يحلوا لشعراء فن الواو تسميتها ، بلادنا النقيّة ، نوبت ، أرض الذهب كما أسماها المصريون القدماء ، التي صارت "نيكاداي" زمن الرومان، ثم "نقادة" زمن العرب المسلمين .
بلادنا التي يعرفها علماء المصريات بأنها بلد الثلاث حضارات القديمة ، حضارة نقادة الأولى ، والثانية ، والثالثة ، وأيضاً بلد حضارة طوخ أو حضارة المطبخ القديم لطوخ ، إبان العصر الحجري الحديث ، أو ما يُعرف بعصر ما قبل الأسرات المصرية القديمة ، وذلك قبل أن يُدوّن التاريخ .
بلادنا التي يعرفها أهل الكهنوت وباحثي الديانات بأنها مهد الرهبنة على وجه الأرض ، الرهبنة الجماعية "الشركية" - نسبة للشراكة - بأديرة برّية الأساس ، بصحاري وحواجر نقادة الغربية .
بلادنا التي يعرفها مؤرخي المسلمين بأنها البلاد التي كانت ثلث أراضيها وقفاً للحرمين الشريفين منذ زمن الدولة الأيوبية ، وأنها بلاد الأصول والأعراق ، والتاريخ والشهامة ، بلاد الفصاحة والشِعر الصعيدي "فن الواو"، حيث أنجبت نقادة الشاعر الكبير حسين زوط الأسمنتي الذي يعد من  أكبر شعراء فن الواو بالصعيد المصري، ومن جميل قوله مربع شعري قاله عندما شعر باقتراب أجله. يقول حسين زوط:
حالف زماني ما يصفه = ولا جسمي تقطب جروحه
مشوار ما لقيتله وصفه = والكل لازم يروحه
بلادنا التي يعرفها أرباب التراث والعلوم بأنها موطن ومهد صناعة الفخار منذ سالف العصور ، وموطن نسج الحرير والصوف والنول والفِركة النقادية ، التي كانت علامة "وماركة" عالية الجودة بالبلدان الأفريقية ، وكانت تدخل في نسج كسوة الكعبة المشرفة.
بلادنا التي يعرفها المصريون والساسة بأنها بلاد التعايش والتسامح ، بلاد تعانقت فيها المآذن بأجراس الكنائس، بلاد تَعلّم فيها المسلمون بمدارس الأقباط ، بلاد تَعلّم فيها الأقباط مبادئ الكتابة بكتاتيب المسلمين وفيها أيضاً حفظوا بعض آيات القرآن المجيد.
إنها نقادة ، بلدتي ... وبلدتكم.

شعار ندوتنا اليوم بعنوان (عمارة البلد | هُوِيَّة لا تستحق الهدم ) ...
إنه عنوان جميل حقاً ، يحمل فكرة طيبة سامية ، للتعريف بعمارات البلاد وآثارها ، ثم التعرف على آلية الحفاظ عليها ، منعاً لإندثارها أو تخريبها أو تدميرها .
أثناء إعدادي لكتاب لي أسميته (إقليم نقادة بصعيد مصر : المعالم التاريخية والبشرية)، تعرفت على  الكثير من آثار وأخبار هذه البلاد الغنية والفقيرة ! ، فهي بلاد غنية بتاريخها وبما كان فيها من آثار ، وفقيرة لكونها فقدت الكثير والكثير من تلكم الآثار للأسف.
نستعرض الآن موجزاً للآثار المندرسة والبائدة ببلادنا ، ثم نعرج لذكر الآثار الباقية ، حتى نأخذ العبرة والعِظة مما مضى، علّنا نحافظ على ما بَقِي لنا من آثار من مضوا من أسلافنا .

ولنبدأ بالآثار المصرية القديمة ، التي يحلو للبعض تسميتها بالآثار الفِرعونية:
أولاً مدينة ومعبد أمبوس: وهي مدينة قديمة مندثرة، كان بها معبداً لعبادة الإله ست "إله الشر" عند المصريين القدماء، وهو معبد قديم للغاية ، اهتم بترميمه عددٌ من ملوك مصر القديمة، منهم:  تحتمس الأول، وتحتمس الثالث وابنه أمنوفيس الثاني، ورمسيس الثاني وابنه منفتاح، ورمسيس الثالث، ثم اندثر وانمحت آثاره بعد ذلك ، وكان موقع هذا المعبد على التقريب بنجع الشيخ علي بناحية طوخ بشمالي مركز نقادة .
أما مدينة أمبوس، فقد كانت عاصمةً للوجه القبلي من أرض مصر، زمن الملك (نعرمر) والد الملك مينا ، موحد القطرين . وبالقرب منها بصحاري نقادة الغربية دُفنت زوجة الملك مينا، وكذلك والدته "نيت حتب" مع زوجها نعرمر .
ثانياً هرم جُرن الشعير: أو الهرم المسخوط كما يعرفه عوام الناس، وهو هرم بدائي من نوع مصطبة واحدة يوجد بناحية حاجر الزوايدة شمالي مركز نقادة. يُنسب هذا الهرم للملك "حوني" من ملوك الأسرة الثالثة المصرية القديمة ، ونَسَبَه البعض لابنه الملك سنفرو من الأسرة الرابعة.
أما هذا الهرم فقد اندثرت بقاياه، بسبب قيام الأهالي قديماً بنقل حجارته لإعادة استخدامها في تشييد منازلهم ، وكثيراً ما فُقدت الآثار بسبب تلك الفَعْلات الشنيعة ، مثل أن هناك هرماً كاملاً بمصر قد اقتلعت جميع حجارته واستخدمت في تشييد بنايات أخرى .. فما أعظم .. بل ما أحقر هذه الجناية على التاريخ والحضارة ؟!
ثالثاً دير الأنباء صَمُوئيل بغربي نقادة: وهو دير قديم يعود تاريخ إنشاءه للقرن السادس الميلادي، أي منذ ما يقارب الـ 1500 عام ، وقد خرب هذا الدير، ثم اندثر بعد ذلك.أأعظم
وبعد أن انتهينا من ذكر الأثار المندرسة (القليلة) بنقادة، فلنستعرض بعض الآثار الباقية، وسنلاحظ هنا أن جُلها آثاراً قبطية، حيث لم يعد للآثار المصرية القديمة بقايا بنقادة إذ تدمرت تماماً إلا بقايا قبور بدائية عتيقة.
أما الآثار الإسلامية بنقادة فأرى أنه لا يوجد بها ما هو قديم ، أو أن ما كان بها قديماً قد تهدم، ولم يصلنا عنه خبر ، لا في كتاب ولا في رواية راو ، اللهم إلا بعض الأبنية لأضرحة ومقامات الأولياء ، وبعض المباني للمساجد التي يظنُ بعضُ الناس قِدَمها ، بينما عمرها الحقيقي لا يتجاوز المائتي عام على أبعد تقدير.

لنستعرض الآن قائمة بالآثار النقادية .. المتبقية:
أولاً طَوَاقي فِرعَون: وهي مغارات جبلية، وكهوف قديمة، يقول البعض أنها كانت أماكناً لعبادة الإله ست .. معبود نقادة القديم ! ، وتوجد تلك المغارات بالمنطقة الغربية من حاجر كوم بلال وحاجر طوخ بشمالي مركز نقادة.
ثانياً دير الصليب: وهو دير قديم جداً، يعود تاريخه للقرن الرابع الميلادي، ولا يزال هذا الدير قائماً عامراً، وهو بناحية حاجر دنفيق جنوبي مركز نقادة. ومنطقة حاجر دنفيق كانت تعرف قديماً بجبل بنهدب ، وتحوي هذه المنطقة عدداً كبيراً من  الأديرة التي لا تزال قائمة، ومنها: دير الأنبا أندراس أبو الليف، ودير الشهيد مار جرجس المعروف بدير المجمع، ودير الأنبا بسنتاؤس.
ثالثاً دير الملاك ميخائيل: بحاجر المنشية جنوبي مركز نقادة، وهو دير كبير، وقائم ومعمور، وبجواره مدافن للأقباط .
رابعاً دير مار بقطر: بغربي ناحية الأوسط قامولا جنوبي مركز نقادة، وهذا الدير تعتبر مبانيه هي الأقدم تاريخاً بين أديرة مركز نقادة ، فلا زالت محتفظة ببعض بنيانها القديم كما هو ، وذلك منذ زمن بدايات دخول المسيحية لمركز نقادة.  وهو دير قائم ومعمور، بجواره مدافن للأقباط .
كما توجد عدة كنائس بمركز نقادة جيدة العِمارة، إلا أنها ليست قديمة. منها:- كنيسة أبو سيفين بقرية صوص بناحية البحري قمولا جنوبي مركز نقادة، وهي كنيسة قديمة، يطلق عليها العوام لقب "دير أبو سيفين".
ومن الكنائس الأخرى أيضاً: الكنيسة الكبيرة مقر مطرانية أقباط نقادة الأرثوذكس ببندر نقادة، وقد تم هدم مبانيها القديمة عند تجديدها. وكنيسة الكاثوليك. وكنيسة الإنجيليين البروتستانت ببندر نقادة، وبنايتهما قد لا يتجاوز عمرهما القرن الواحد !
وأخيراً هناك أثر حيّرني أمره ، هل أدرجه ضمن الآثار المندثرة أم الأثار الباقية ؟!
وهذا الأثر هو بئر ماء، أو عين ماء ، يسميه الناس (بير العين) أو (بئر العين) ، وهو بئر ماء قديمة ، ذكرها المؤرخ المسيحي: أبو المكارم سعد الله بن جرجس في مؤلفه عن الأديرة والكنائس المؤرخ سنة 1209 م ، أي منذ ثمانمائة عام ، فقال ابن جرجس عند حديثه عن دير الأنبا بسنتاؤس بجبل بنهدب بحاجر دنفيق: (وبغربي هذا الدير عينُ ماء، وَرَدَت عليه ستنا السيدة مريم والسيد المسيح معها وصحبتهم الشيخ البار يوسف النجار) انتهى قول المؤرخ.
وأقول: إن هذه الرواية الخاطئة قد أضيفت إليها روايات أخرى على ألسنة العوام، جعلت من نخلةٍ مجاورة للبئر أنها نخلة السيدة مريم التي ولدت تحتها المسيح عيسى عليه السلام !
وقد كان بهذا البئر ماء ؛ عُمقه "شبر واحد" ، عندما زرته منذ ثلاث سنين ، إلا أنه انطمر حديثاً بعد وقوع العديد من جيف الحيوانات الميتة به، فلم يتبق فيه من الماء شيء يُذكر حسبما سمعت، ولعله الآن أصبح جُبّاً ولم يعد بئراً !.
وقد كان من الواجب على الجهات المعنية بالآثار أن يجعلوا سياجاً حول تلك البئر ، يحميها من القاذورات والجيف أن تقع بها أو أن يُلقيها الناس فيها .. ولكن نقول: لعله مازالت أمامهم الفرصة لتنظيف البئر وإعادة تجهيزها مرة أخرى، فهذا أثر قديم، تنبغي رعايته.
وإلى هنا ينتهي الحديث الموجز، في التعريف ببلادنا نقادة ، وأبرز معالمها التاريخية ، الباقية والبائدة ، ولمن أراد الاستزادة .. فعليه بكتابنا (إقليم  نقادة).
وفي الختام أرجو أن أكونَ قد قدمتُ نبذةً مختصرة وغير مخلّة عن تاريخ وآثار مركز نقادة.
تحياتي/ أخوكم: أحمد عبدالنبي فرغل الدعباسي، من أبناء قرية دنفيق جنوبي مركز نقادة.
باحث تاريخي متخصص في علم الأنساب. صدرت لي أربعة مؤلفات مطبوعة. وأشغل منصب : رئيس لجنة تحقيق وتوثيق الأنساب بمشيخة السجادة البكرية – ذرية سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ | الأحد 23 جمادى الآخرة 1439 هـ الموافق 11 مارس 2018 م

عن الكاتب

أحمد فرغل الدعباسي البكري

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

مدونة أحمد فرغل الدعباسي البكري

2016