من كتابنا (إقليم نقادة بصعيد مصر: المعالم التاريخية والبشرية ) - دار الأمة العربية ، الطبعة الأولى 2015 م ، صـ 55-57
مبحث عن الضريح الذي بمسجد الدارقطني بقرية قرقطان - دنفيق ، مركز نقادة بمحافظة قنا بصعيد مصر وحقيقة نسبته للمحدث أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي (من أهل القرن الرابع الهجري)، ونظرة حول المراكب والسفن التي تعلق فوق قبور المسلمين ، وأديرة النصارى ، ومقابر المصريين القدماء (الفراعنة) !
اعداد : أحمد عبدالنبي فرغل الدعباسي
رابط تحميل كتاب إقليم نقادة مجانا (نسخة مصورة pdf)
=====================================
أبرز المعالم الأثرية بإقليم نقادة بالفترة الإسلامية
مسجد الدارقطني: أو مسجد الداراقطني أو مسجد القرقطاني أو مسجد الديرقطاني بنجع قرقطان "دير قطان" بدنفيق جنوبي إقليم نقادة. وقد اشتهر بين الناس أن قرية "قرقطان" قد سُمّيت بهذا الإسم نِسبة الي العالم الجليل المحدث "الدارقطني"، حيث يقال أنه قدم إليها ودفن بها، وما زال مسجده الذي يحمل اسمه "مسجد الدارقطني" قائماً بها، وبالمسجد ضريح ينسب له، ولكنني أشكك في الرواية التي تقول بأن الشيخ المحدث أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني قد دفن بمسجد قرية "قرقطان"، حيث أنه قد جاء في سيرته أنه وُلِد في بغداد بالعراق في "محلة دار القطن" فنسب إليها فقيل "الدارقطني"، وأنه دفن في بغداد وقبره بجوار قبر "معروف الكرخي"، وقد أورد الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" عنه الأتي بإختصار( ): الإمام الحافظ المجود، شيخ الإسلام، علم الجهابذة، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله البغدادي، المقرئ المحدث، من أهل محلة دار القطن ببغداد. ولد سنة 306 هـ. أما عن وفاته، فقد ورد أنه( ): توفي يوم الأربعاء الثامن من شهر ذي القعدة سنة 385 هـ بالعراق ببغداد في "مقبرة باب الدير" قريبا من قبر "معروف الكرخي".وأيضا ورد أن( ): هناك إجماع على أنه توفي في شهر ذي القعدة سنة 385هـ ببغداد. وكذلك جاء أنه( ): توفي ببغداد لثمان خلون من ذي القعدة سنة 385 هـ.
وكذلك يوجد "قارب نهري" معلّق في سقف قبة ضريح الدارقطني بمسجد الدارقطني قرقطان، يقول الناس أن المحدث الدارقطني عندما كان في أحد نواحي بلاد الصعيد، ركبه وخرج به هارباً من بعض أعداءه، ولكنه مات في الطريق، فحمله القارب حتى رسى به عند قريتهم "دير قطان"، فوجده الأهالي هناك، فأخذوه ودفنوه في ضريحه ذاك.
وأقول: أظن الأمر كله وهم وأحاديث خرافة، فقد جرت العادة في مصر على تعليق مجسّم "سفينة أو مركب أو قارب" توضع في أسفل قباب الأضرحة أو في أعلاها، وهي موروث قديم ورثه المصريون عن المصريين القدماء "الفراعنة"، حتى إن نصارى مصر يصوّرون في كنائسهم أحياناً صورة السفينة، التي تمثل عندهم "سفينة النجاة والخلاص" للروح، وقلما تخلو مقبرة أو معبد فرعوني من نقش للمراكب "السماوية" التي تقلّ الروح في رحلة العالم الآخر، حتى لا تضل الطريق فتبتلعها الأفعى فتهوى إلى "الظلمات/الجحيم". وكذلك ألاحظ أن الأضرحة "المصرية" الموضوع في قبابها سفن ومراكب، يكون أصحابها في الغالب من أهل العلم وليسوا مشايخ عاديين أو أميّين، فوضع السفينة فيه رمزية وإشارة إلى تبحّر صاحب الضريح في العلم ولذا ترسوا السفينة فوق "قبره/بحره"، فنجد أن قبة ضريح الإمام الشافعي بها هذه السفينة، وكذا قبة ضريح سيدي أبي الحجاج الأقصري بالأقصر، وهما كانا من أهل العلم. كما لا يفوتنا ذكر تفسيرات أخرى لوجود هذه السفن، ومنها: أنه كان وعاءً لحمل الحبوب والغلال التي تُوضع به لإطعام الطيور، أو هو إشارة إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث ورد تشبيههم في الحديث الشريف بالسفينة، وإن كانت السُفن هذه قد توضع في أضرحة أناس ليسوا من السادة الهاشميين الأشراف "أهل البيت".
وفي النهاية نقول: لعل الإمام الدارقطني قد مرّ بهذه القرية في رحلته المعروفة لمصر، فسميت بإسمه وهو إحتمال ضعيف جداً، أو لعل صاحب الضريح هو أحد العلماء "الديرقطانيين" القدامى، مثل العالم "حجازي بن أحمد بن حجازي الديرقطاني" وكان عالماً أديباً شاعراً يستحق وضع سفينة في أعلى قبة ضريحه، وبعد تطاول الزمان اشتبه على الناس أمره، وحدث الوهم في أن صاحب الضريح هو الإمام المحدث أبو الحسن الدارقطني لشهرة الأخير وللتشابه الشديد في اللقب "الديرقطاني/الدارقطني"، وهو ما أميل إليه. والله أعلم بالحقيقة.
ـــــــــ
هوامش:
( ) سير أعلام النبلاء 16/ 449 ؛ رجال الحاكم في المستدرك 2/ 67
( ) الأنساب للسمعاني 5/ 275 ؛ تاريخ بغداد 13/ 487 ؛ معجم البلدان 2/ 422 ؛ سؤالات السلمي للدراقطني 1/ 23
( ) الإمام أبو الحسن الدارقطني وآثاره العلمية 1/ 92
( ) وفيات المصريين لأبي اسحاق إبراهيم ابن الحبّال صـ 35
...........................
#الدعباسي